طلاق المغضب والحلف بالطلاق

يدور موضوع سؤالي حول طلاق الغضب والحلف بالطلاق، والقصة كما يلي: حضرت إلى مصر من أجل الدِراسة سنة 1989 وبحمد الله وتوفيقه وُفقت ومنَّ عليَّ اللهُ بزوجة من مصر، تزوجت هذه السيدة سنة 1992 ورزقني الله منها بنتين وولدًا. عند زواجنا تزوجنا وفق العادات والتقاليد المصرية إلا أننا قررنا السفر إلى ليبيا لأبدأ حياتي العملية هناك، وبعد سفرنا نشبت كثير من المشادات بين أهلي وزوجتي نظرًا لاختلاف العادات والتقاليد بين البلدين مما أوغل صدور أهلي على زوجتي والعكس مما اضطرني للعودة إلى مصر مع زوجتي، وأقمنا هناك، ومع مرور السنين كانت تحدث مشاحنات ومشادات متفرقة بين أهلي وزوجتي وبدأ البعض يُغيِّر تعاملاته معنا.
وبدأ يَظهرُ وجهٌ آخر لهذه المشكلة وذلك لاختلاف عادات الزواج في ليبيا وكيف أن زوجتي لم تحصل على ما هو متعارف عليه وَفْق التقاليد الليبية، ونظرًا لأن زوجتي تعرف أن ظروفي لا تسمح بأن ألبِّي لها هذه المتطلبات اتجه ناظرها إلى أن والدي- بما أن حالته المالية جيدة- هو مَن يجب أن يقومَ بإحضار هذه المتطلبات، وحدث خلاف بيننا على هذا الموضوع، وأيضًا بعد عدَّة سنوات من زواجنا حدثت مشكلة صعبة بيننا ترتَّبَ عليها أن قررت الطلاق وفعلًا طلقت زوجتي للمرة الأولى، وبعد عِدَّة سنوات تباينت أوضاعنا المالية والاجتماعية صعودًا وهبوطًا.
حدث في إحدى زيارات أهلي إلى مصر أن أبلغتني زوجتي برغبتها في مناقشة والدي بموضوع يدور حول إعادة تشطيب شقتنا في ليبيا وإعادة فرشها وأن يتحمل مصاريفنا حتى يتسنى لي الحصول على عمل في ليبيا، ولم أوافقها على هذا العزم ولكن بعد سفري إلى ليبيا كان أبي لا يزال في مصر، ذهبَتْ إليه ودار بينهما نقاش تحول إلى مناوشة وكل من الطرفين يقصُّ ما حدث برواية مما جعلني حائرًا في الحكم بين أبي وزوجتي، وعندها أبْلَغَت والدي بأنها ستأتي برفقة أبيها وأقاربه لتسليمهم أبناءنا وطلب الطلاق ولم يكن من والدي إلا أن قطع زيارته إلى مصر وعاد إلى ليبيا ولم يكن لديها علم، ذهبت برفقة أبيها وأخيها وعند وصولها إلى البيت أخبرهم الحارس أن والدي سافر، هنا اشتد غيظها كيف أن أبي لا ينتظر استقبال أبيها.
عند معرفتي بالأمر منها ذهبتُ إلى أبي وقلتُ له: إنه كان من اللائق أن ينتظر استقبال والد زوجتي مع علمه بأنه رجل متزن وجيد التفكير، ودخلت في دوامة أخرى حيث أخبرني والدي بأني ليس لديَّ علم بهذا الموعد وأن زوجتي هي مَن احتدَّت عليه وطلبت أشياءَ مُبالغًا فيها لشقتها في ليبيا عند رجوعي إلى مصر، وجدت كل أبواب حياتي الزوجية والعاطفية مغلقة، وزوجتي تطلب مني الطلاق، استغربت لطلبها وذَكَّرْتُها أنني حذرتك من عدم الذهاب إلى أبي وعدم الطلب منه، هنا فتحت كل الأبواب، أنه من حقها كمية من الذهب كما يتم تقديمه في ليبيا، وأن من حقها شقة مجهَّزة بأحدث المفروشات كما هو الحال مع إخوتي، أخبرتها أنني لم أقصر معها في حدود إمكانياتي وأن ما أحضرته لها من ذهب يفوق ما يُقدَّم إلى العرائس في ليبيا، قالت: إن ما أحضرته هو هدية، وما أطلبه الآن هو الشبكة. في حين أنني قدمت شبكة جيدة وقَبِلَتها هي وأهلها.
الآن الحل بالنسبة لها أن أطلقها وحينها تحصل على النفقة والمؤخر والذهب حتى نتمكَّنَ من شِراء شقةٍ جديدةٍ لنا في مصر، ثم يأتي أهلي ويطلبونها من أهلها مرة أخرى وتقوم هي بسرد شروطها عليهم حتى يعلموا أن لها قيمة! رَفَضْتُ الأمرَ جُملةً وتفصيلًا، مع الإصرار والتفنن في تضييق الأمر عليَّ خصوصًا أني كنت بعيدًا عن بيتي لمدة ثلاثة شهور أعمل في الصحراء الليبية وهذا يعني أنني عند عودتي أكون أحوج ما أكون أن أقضي إجازتي القصيرة في هناء عائلي وعاطفي، وللأسف نشبت كثير من المشادات، وهنا لأخرج من المأزق الذي أنا فيه- وليس بنِيَّة الطلاق ولا العزم عليه وإنما لأتمكن من ممارسة حياتي الأُسَرية في هذه الإجازة القصيرة- قلت لها: إنه في حالة لم نصل إلى حلٍّ يرضيك تكونين طالقًا مِنِّي.
عند ركوبي الطائرة، لم تكتفِ بهذا بل قالت: إنها تريد ورقة طلاق مختومة ومُصدَّقة من السفارة وترسلها إلى أهلي، حتى يسارعوا بالتدخل لإنقاذ حياة بنتهم الأسرية ويوافقوا على شروطها وزاد الضغط. هنا طلبتُ منها أن نحتكم إلى والدها وأن ما يقرره سوف يكون إن شاء الله، ذهبنا إلى والدها وقصت عليه الموضوع هنا لم يوافق أبوها على كلامها وأن أي طلب تريده فالوحيد المسئول عن تنفيذه هو زوجك وليس والد زوجك، هنا اشتدَّ غيظُها وبدأت تصرخ في وجهي وتشتمني واشتد غيظ أبيها أيضًا ونَهَرَها إلا أنها لم ترتدع وقامت مشادة بيني وبينه تحوَّلت إلى شِجار بالأيدي هنا فعلًا هددَتْ بأن تُلقِي نفسَها من الشُّرفة إذا لم أطلقها! فقمت لإجبارها على الجلوس والحديث إلا أنها بدأت بمدِّ يدها عليَّ وهي تدفعني وتتَّجه للشرفة، وللأسف كنت في منتهى القناعة أنها فعلًا عازمة على إلقاءِ نفسِها من الشرفة، خصوصًا وأنها قد هددت في مناسبة فائتة بإشعال النار في نفسها ولم أوقفها إلا بعد أن سكبت الكيروسين على جسمها وهمت بإشعال النار! ووسط هذا الهياج بدَأَتْ تضربني. هنا لم أدرِ ما يحدث. إلا أنني قلت لها: إن كان كل هذا من أجل الطلاق فأنت طالق. ألقت ابنتها وانطلقت إلى باب الشقة وهي تقول: إننا لن نراها ثانيةً لا أنا ولا أهلها.
لم أتمالك نفسي وانخرطت في البكاء، إلا أن والدها قال لي: إن هذا طلاق غضبٍ واتركها سوف تهدَأ وتعود، إلا أنني حتى هذه اللحظة وبمعرفتي بمدى عِناد زوجتي عن تجارب سابقة أنها قد تُعرِّض نفسَها لأي أذى، أسرعت خلفها محاولًا تهدئتها إلا أنها انهالت عليَّ بالشتائم في الشارع وابنتي الصغيرة إلى جانبي. اتصلتُ بأخواتها حتى يحاولن الاتصال بها وإعادتها؛ لأني لا أطيق الحياة بدونها وأنها تشعر أنها مجروحة وقد تؤذي نفسها، وبعد محاولات استطاعت أختها إحضارها لبيتها وذَهَبْتُ إليها وسَرَدَت جملةً من الشروط وافَقْتُ عليها فورًا إن كانت ستعود للبيت، وعند عودتي أخبرتني أنه لا يجوز لي الاقتراب منها حتى أستفتي أحدَ العلماء، وفعلًا استفتيت عالمًا- وفقه الله- أخبرني أن الطلاق وقعَ وأن عليَّ ردَّها بمجامعتها، ومع أنني لم أقتنع بهذه الفتوى وهو يقول إنني لم أصل في درجة الغضب التي لا يقع بها الطلاق، إلا أنني يا سيدي أكثر مَن يعلم بمدى الغضب الذي انتابني ويكفي أن أخبرك أنه لو قطعت أوصالي قطعًا لم أكن لأوافق أن أطلق زوجتي وحبيبتي وأم أولادي، لكن كل ما أردته أن أمنعها من إيذاء نفسها في تلك اللحظة، وإذا كان سبب شجارنا أصلًا هو رفضي فكرة طلاقها جملة وتفصيلًا فكيف أطلقها إذا كنت فعلًا في وضع يسمح لي بترتيب أفكاري أو حتى اتخاذ القرار في تلك اللحظة؟
وراجعتها كما أخبرني الشيخ الجليل، وبعد أيام وحيث إنه لم تعُد الأمور بيننا إلى طبيعتها فاجئتني بموضوع جديد أن إحدى صديقاتها أخبرتها أنني اتصلتُ بها على هاتفها النَّقَّال، وتحدثَتْ مع زوجها وأثرتُ لها مشكلة مع زوجها، وأنها أرتها رقم هاتفي على جهازها، على أن هذه المكالمة حدثت يوم عيد الفطر المبارك عند الساعة 8.15 صباحًا، هذا وأُشْهِدُ اللهَ لكم أنه لم يحدث أصلًا، واشتد غيظها وشتمُها لي على أني قمت بهذا الأمر. أقسمتُ لها أنه لم يحدث مِنِّي. لم تصدقني وزادت من شتائمها لي حتى إنها بدأت بشتم أمي بألفاظ قبيحة ووصل بها الأمر أن بصقت على وجهي، هنا حلفت بالطلاق أني لم يحدث مِنِّي هذا الأمر حيث إن يوم العيد بالذات استغرقتُ في النوم حتى إنني لم أستطع الذهاب إلى صلاة العيد! وكنا في نفس اليوم نناقش هذا الأمر حيث حدثت مفارقة: وعدت ابني الذي يبلغ من السن عشر سنوات أن أصطحبه معي لصلاة العيد، قامت أُمُّه صباح العيد على صوت بكاء ابني الذي أخبرها بأنني لم أوفِّ بعهدي له بالذهاب إلى الصلاة. قالت له إن السيارة معطلة وهذا ما منع أبوك من الذهاب.
وعندما أَكْمَلَت روايتها استدعيت ابني وسألته: كيف لم يوقظني للذهاب إلى صلاة العيد؟ وكيف عَلِم أن الوقت تأخَّر هنا؟ أخبرني أنه عندما استيقظ كانت الساعة 9.00 صباحًا وأني كنت ما أزال نائمًا، هنا عَلِم أن الصلاة انتهت، ولما سألتها أنت مَن استيقظ على صوت بكائه أين كنتُ أنا؟ قالت: كنتَ نائمًا، ولكني لن أكذِّبَ عيني فأنا رأيت رقم التليفون على جهاز صديقتي، وهنا أصرت أن الطلاق وقع وأنها أصبحت محرمة عليَّ.
أفيدونا أفادكم الله. هل تُهدم أسرة في حالة غضب؟ أو هل تُهدم أسرة في حالة حلف؟ وإن كان الحَلِف بغير الله لا يجوز وأنني قد أثمت بهذا الحَلِف ولكني ما حلفتُ إلا لأنفي عن نفسي هذه التُّهَمة المغرضة من سيدة لا أقبل حتى النظر إليها، وزوجتي تعلم ذلك مِنِّي منذ سنين. فكيف أنني أتصل بها لمغازلتها؟ وأين؟ في بيتها! ومتى؟ يوم عيد الفطر المبارك! والله هذا بهتان كبير.


بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
«لَا طَلَاقَ فِي إِغْلَاقٍ»، فالطلقة التي أوقعتها في حالة الغضب الشديد ووفق ما سردته من التفاصيل: لا تقع.
والحَلِف بالطلاق الذي حلفته: لم يقع كذلك؛ لأنك لم تحنث فيه بل حلفته وأنت صادق- كما فهمتُ من روايتك- فلماذا تُحاسَب على هذا الطلاق الذي حلفته صادقًا لتنفي عن نفسك التُّهَمَة؟!
إن صحَّ فهمي هذا فإنه لم تقع عليك لا طلقة الغضب ولا يمين الطلاق فأمسك عليك زوجك واتق الله. والله تعالى أعلى وأعلم.

تاريخ النشر : 30 يناير, 2012
التصنيفات الموضوعية:   06 الطلاق

فتاوى ذات صلة:

Send this to a friend