نسبة القول بفناء النار إلى شيخ الإسلام ابن تيمية

هل قال شيخ الإسلام ابن تيمية بفناء الجنة والنار؟

 

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه و من والاه؛ أما بعد:
فلا تصح نسبة القول بفناء النار إلى شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى، فإن الرَّاجح عنده أَبَدِيَّتُها وعدم فنائها، وقد نص على ذلك: في أكثر من موضع من كتبه، فقد قال رحمه الله تعالى في كتابه «درء تعارض العقل والنقل»: «وقال أهل الإسلام جميعًا: ليس للجنة والنار آخر، وإنهما لا تزالان باقيتين، وكذلك أهل الجنَّة لا يزالون في الجنَّة يتنعمون، وأهل النار في النار يُعذَّبون، ليس لذلك آخر»(1).
وقال : أيضًا في كتابه «بيان تلبيس الجهمية»: «وقد اتفق سلف الأمة وأئمتها وسائر أهل السنة والجماعة على أن من المخلوقات ما لا يعدم ولا يفنى بالكلية، كالجنَّة والنار والعرش وغير ذلك، ولم يقل بفناء جميع المخلوقات إلا طائفة من أهل الكلام المبتدعين، كالجهم بن صفوان ومن وافقه من المعتزلة ونحوهم، وهذا قول باطل يخالف كتاب الله وسنة رسوله وإجماع سلف الأمة وأئمتها». اهـ(2).
وسبب الغلط على شيخ الإسلام ونسبة القول بفناء النار إليه أن ابن القيم في كتابه «حادي الأرواح» قد ذكر الأقوال في فناء النار وعدمه، وأشار إلى أن ابن تيمية قد حكى بعض هذه الأقوال، والتي منها القول بفناء النار، وليس في ذلك ما يَدُلُّ على نسبة هذا القول الباطل لشيخ الإسلام ابن تيمية، فقد حكى هذه الأقوال غيره من أهل السنة والجماعة كشارح «الطحاوية»، وحكاية شيخ الإسلام لأقوال الطوائف مشحونة بها مؤلفاته، ولكن للرد عليها لا لتقريرها، وهذا واضح ولا يحتاج إلى مزيد بيان. واللهُ تعالى أعلى وأعلم.
وأما الإمام ابن القيم فإنه له قولان: الأوَّل مالَ فيه إلى القول بفناء النار، وقوَّاه وأيده بالأَدِلَّة، وذلك في كتابه «حادي الأرواح» و«شفاء العليل»، كما أنه توقف في المسألة في كتابه «الصواعق المرسلة».
القول الثَّاني لابن القيم، وهو الموافق لمذهب أهل السنة هو القول بأبدية النار وعدم فنائها، وذكر ذلك منصوصًا عليه في كتابيه «الوابل الصيب» و«طريق الهجرتين».
فقد قال في «الوابل الصيب»: «وأما النار فإنها دار الخبث في الأقوال والأعمال والمآكل والمشارب ودار الخبيثين، فالله تعالى يجمع الخبيث بعضه إلى بعض فيركمه كما يركم الشَّيء المتراكب بعضه على بعض ثم يجعله في جهنم مع أهله فليس فيها إلا خبيث.
ولما كان النَّاس على ثلاث طبقات: طيب لا يشينه خبث، وخبيث لا طيب فيه، وآخرون فيهم خبث وطيب- كانت دورهم ثلاثة: دار الطيب المحض، ودار الخبيث المحض، وهاتان الداران لا تفنيان، ودار لمن معه خبث وطيب وهي الدار التي تفنى وهي دار العصاة، فإنه لا يبقى في جهنم من عصاة الموحدين أحد، فإنه إذا عذبوا بقدر جزائهم أُخرجوا من النار فأدخلوا الجنَّة ولا يبقى إلا دار الطيب المحض ودار الخبيث المحض». اهـ(3).
وعلى هذا، فإن إطلاق القول بأن ابن القيم يقول بفناء النار غلط عليه؛ إذ تبين لك أن له قولين، وإنما البحث هو في أي القولين هو المتأخر النَّاسخ للأول؟
ولقد غلب بعض الباحثين الظن بأن ما قاله ابن القيم في «الوابل الصيب» و«طريق الهجرتين» ناسخ لما ذكره في «حادي الأرواح» و«شفاء العليل» و«الصواعق المرسلة»، وأيَّد هذا الاستنتاج ببعض الحجج انظرها في كتاب «كشف الأستار لإبطال ادعاء فناء النار» لعلي الحربي، طبعة دار طيبة.
هذا، وإن القول بفناء النار قد أُثر عن بعض السلف، وهم: عمر، وابن مسعود، وأبو هريرة، وأبو سعيد الخدري. وهذه الآثار إما أنها لا تصح نسبتها إليهم، أو أنها محمولة على وجه آخر غير القول بفناء النار. والله تعالى أعلى وأعلم.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
(1) «درء التعارض» (2/358).
(2) «بيان تلبيس الجهمية» (1/581).
(3) «الوابل الصيب» ص34.

تاريخ النشر : 26 ديسمبر, 2017
التصنيفات الموضوعية:   06 الإيمان باليوم الآخر

فتاوى ذات صلة:

Send this to a friend