هل الميزان ميزان واحد أو هو ميزانان؟ وهل له كفتان ولسان؟ وما تفسير هذه الآيه: ﴿وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ﴾ [الأنبياء: 47]، وهل الصواب أن نقول: في ميزان أو موازين حسناتك؟ وما أثر الإيمان بالميزان؟
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
يؤمن أهل السنة بأن الميزان الذي ينصب يوم القيامة وتوزن به الحسنات والسيئات حقٌّ، ويقولون: إنه ميزان حقيقي وإنَّ له كفتين، توضع على كفة الحسنات وتوضع على الأخرى السيئات، توزن بهما صحائف الأعمال، وهو ميزان يزن بمثاقيل الذر: ﴿فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ﴾ [الزلزلة: 8].
قال تعالى: ﴿وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ﴾ [الأنبياء: 47]، وجاء في بعض الآثار: «له لسان وكِفتان»، وهو مروي عن ابن عباس ب، ذكره أبو الشيخ من طريق الكلبي(1)، ويروى أيضًا عن الحسن(2)، ولم يأت ذكر اللسان في حديث مرفوع.
وكون الميزان له كفتان ثابت بالنص؛ لقوله صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه جل وعلا: «فَإِنَّ السَّمَوَاتِ السَّبْعَ وَالْأَرَضِينَ السَّبْعَ لَوْ وُضِعَتْ فِي كِفَّةٍ وَوُضِعَتْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ فِي كِفَّةٍ رَجَحَتْ بِهِنَّ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ»(3).
وقال القرطبي في «تذكرته»: «قال العلماء: إذا انقضى الحساب كان بعده وزن الأعمال؛ لأن الوزن للجزاء، فينبغي أن يكون بعد المحاسبة لتقرير الأعمال، والوزن لإظهار مقاديرها ليكون الجزاء بحسبها، قال الله تعالى: «وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ» [الأنبياء: 47]، وقال تعالى: ﴿فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ * فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ * وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ * فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ * نَارٌ حَامِيَةٌ﴾ [القارعة: 6- 11]». والحاصل أن الإيمان بالميزان كأخذ الصحف ثابت بالكتاب والسنة والإجماع.
وقد اختلف أهل العلم في وحدة الميزان وتعدده؛ فذهب بعضهم إلى أنَّ لكل شخص ميزانًا خاصًّا، أو لكل عمل ميزانًا؛ لقوله تعالى: ﴿وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ﴾ [الأنبياء: 47]. وذهب آخرون إلى أن الميزان واحد، وأن الجمع في الآية إنما هو باعتبار تعدد الأعمال أو الأشخاص.
وقد رجح ابن حجر بعد حكايته للخلاف أن الميزان واحد، فقال: «ولا يشكل بكثرة من يوزن عمله؛ لأن أحوال القيامة لا تكيف بأحوال الدنيا».
وقال السفاريني: «قال الحسن البصري: لكل واحد من المكلفين ميزان».
قال بعضهم: الأظهر إثبات موازين يوم القيامة لا ميزان واحد؛ لقوله تعالى: ﴿نَضَعُ الْمَوَازِينَ﴾، وقوله: ﴿فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ﴾ [الأعراف: 8].
قال: وعلى هذا فلا يبعد أن يكون لأفعال القول ميزان، ولأفعال الجوارح ميزان، ولما يتعلق بالقول ميزان.
وقال بعضهم: أما جمع الموازين وتعددها موضع نظر بين أهل العلم، وهذا من فروع العقائد التي يسع الناس فيها الخلاف، ولا ينبغي أن نشغل بالخلاف في ذلك عن العبرة التي ينبغي أن نقف عندها وأن نتدبرها من قضية الوزن والميزان من حيث المبدأ. ونسأل الله التوفيق للجميع، والله تعالى أعلى وأعلم.
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ذكره السيوطي في «الدر المنثور» (3/418) وعزاه لأبي الشيخ عن الكلبي، وأخرجه البيهقي في «شعب الإيمان» (1/263).
(2) التخريج السابق.
(3) أخرجه أحمد في «مسنده» (2/167) حديث (6583)، والحاكم في «مستدركه» (1/112) حديث (154)، من حديث عبد الله بن عمرو ب، وقال: «صحيح الإسناد». وذكره الهيثمي في «مجمع الزوائد» (4/219- 220) وقال: «رجال أحمد ثقات»، وذكره الألباني في «السلسلة الصحيحة» حديث (134).