إن الدجال حيٌّ يُرزق، وينتظر الوقت المناسب للخروج، فكيف ذلك ونحن لا نؤمن بوجود المهدي حيًّا ثم نجد هذا الحديث عن الدجال بالله عليكم؟!
أفيدونا بالصحيح والذي يقبله العقل والدين، وجزاكم الله عنا كل خير.
لقد قرأت هذا الحديث عن فاطمة بنت قيس، وهو في «صحيح مسلم»(1).
___________________
(1) أخرجه مسلم في كتاب «الفتن وأشراط الساعة» باب «في خروج الدجال ومكثه في الأرض» حديث (53).
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه؛ أما بعد:
فقد اختلف أهل العلم في هذه المسألة: فمنهم من قال: إنه موجود، وإنه في جزيرة من جزر البحر لا يعلمها إلا الله، وإنه لا يزال مأسورًا، وإن الله أعطاه من طول العمر حتى يأذن له بالخروج. واستدل بحديث فاطمة بنت قيس الذي أورده مسلم في «صحيحه» والذي أشرتَ إليه في سؤالك بارك الله فيك.
ونازعهم في ذلك آخرون فقالوا: إنه غير موجود الآن. واستدلوا بقول النبي صلى الله عليه وسلم في آخر حياته عندما خطب في الصحابة: «أَرَأَيْتَكُمْ لَيْلَتَكُمْ هَذِهِ فَإِنَّ عَلَى رَأْسِ مِائَةِ سَنَةٍ مِنْهَا لَا يَبْقَى مِـمَّنْ هُوَ عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ أَحَدٌ»(1).
ومن المعلوم أن خبر النبي صلى الله عليه وسلم صدقٌ، وما ينطق عن الهوى، صلوات ربي وسلامه عليه، وهو مما استدل به أهل العلم على موت الخَضِر، وردوا به على مَن زعم أنه التقى به. وهذا هو ما اختاره الشيخ ابن عثيمين رحمه الله عندما سئل عن التعارض الظاهر بين هذين الحديثين؟ فقال: ذكرنا هذا مستدلين بما ثبت في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، قال: «إِنَّهُ عَلَى رَأْسِ مِائَةِ سَنَةٍ لَا يَبْقَى عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ مِمَّنْ هُوَ عَلَيْهَا الْيَوْمَ أَحَدٌ». فإذا طبقنا هذا الحديث على حديث تميم الداري صار معارضًا له؛ لأن ظاهر حديث تميم الداري أن هذا الدجال يبقى حتى يخرج، فيكون معارضًا لهذا الحديث الثابت في الصحيحين، وأيضًا فإن سياق حديث تميم الداري في ذكر الجسَّاسة في نفسي منه شيء(2)، هل هو من تعبير الرسول صلى الله عليه وسلم، أو لا. انتهى كلامه رحمه الله.
ولعل القول بأنه غير موجود أقرب إلى روح الشريعة ودلالة نصوصها العامة، ولكن يبقى النظر في حديث فاطمة بنت قيس، وترجيح الشيخ رحمه الله في هذه القضية لا يشفي الغليل؛ فالله أعلم بالمراد، فنذكر الرأيين، ونَكِلُ العلمَ في ذلك إلى الله عز وجل. والله تعالى أعلى وأعلم.
_______________
(1) متفق عليه؛ أخرجه البخاري في كتاب «العلم» باب «السمر في العلم» حديث (116) ، ومسلم في كتاب «فضائل الصحابة» باب «قوله صلى الله عليه وسلم لا تأتي» حديث (2537) ، من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما.
(2) أخرجه مسلم في كتاب «الفتن وأشراط الساعة» باب «في خروج الدجال ومكثه في الأرض» حديث (2942).