لماذا لا يظهر الإله للناس أو على الأقل يُظهر ملائكته؟

السؤال:
لماذا لا يظهر الإله للناس أو على الأقل يُظهر ملائكته؟
الجواب
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه؛ أما بعد:
فهذا السؤال قديم مُعاد، وهو يدلُّ على جهالة فاحشة بطبيعة الخلق وعظمة الخالق جلَّ في عُلاه، فقد حدثنا القرآن الكريم عمن جعلوا رؤية الله جهرة أو الاستماع المباشر لكلماته شرطًا للإيمان؛ فحدثنا عن فرعون فقال تعالى: {وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَاهَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ (36) أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كَاذِبًا وَكَذَلِكَ زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوءُ عَمَلِهِ وَصُدَّ عَنِ السَّبِيلِ} [غافر: 36، 37].
وحدثنا عن بني إسرائيل فقال تعالى: {وَإِذْ قُلْتُمْ يَامُوسَى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ (55)} [البقرة: 55].
وقال تعالى: {يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَابًا مِنَ السَّمَاءِ فَقَدْ سَأَلُوا مُوسَى أَكْبَرَ مِنْ ذَلِكَ فَقَالُوا أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ ثُمَّ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ} [النساء: 153].
وكما حدثنا القرآنُ الكريم عمن جعلوا من رؤية الله شرطًا للإيمان، حدثنا عن الذين جعلوا من سماعهم المباشر من الله تعالى شرطًا للإيمان فقال تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ لَوْلَا يُكَلِّمُنَا اللَّهُ أَوْ تَأْتِينَا آيَةٌ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِثْلَ قَوْلِهِمْ تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ قَدْ بَيَّنَّا الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (118)} [البقرة: 118]. وفي قوله تعالى: {تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ} [البقرة: 118] إشارة إلى أن هذه المكابرة هي منطقُ الـمُبطِلين قديمًا وحديثًا، وفي تذييل الآية بقوله تعالى: {قَدْ بَيَّنَّا الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (118)} [البقرة: 118] إشارة إلى أن الطريق إلى الإيمان بالله هو التدبُّر في آياته التي تدلُّ عليه.
ولو تخلى هؤلاء عن عنادهم لعلموا أن أبصارهم التي لا تستطيع أن ترى الهواء الذي يُلامسها، والتي لا قِبَل لها بالنظر إلى الشمس لا قبل لها بالنظر إلى الله- جل وعلا- في هذه الحياة الدنيا.
ولقد طلب موسى عليه السلام- وهو من أُولي العزم من الرسل- رؤيةَ ربه، وهو في مقام العبودية والتذلُّل، فلم يقوَ على ذلك، فأنى لهؤلاء المخذولين بذلك وهم في مقام العناد والمكابرة؟!
قال تعالى: {وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ} [الأعراف: 143].
ولو تجلى الله لعباده في هذه الدنيا لأسرهم ذلك التجلِّي وظلت أعناقهم له خاضعين، وبطلت حكمةُ التكليف؛ لأن الإيمان عندئذ سيكون إجباريًّا لا قبل لأحد بدفعه.
ولو تخلوا أيضًا عن صلفهم وعنادهم لآمنوا بربهم عن طريق رُسُلِه الصادقين، الذين عرَّفوا به ودعوا إليه وقدَّموا على ذلك من البيِّنات والمعجزات ما تقوم بمثله الحجة؛ كما يؤمنون بكثير من الأشياء التي لم يروها عن طريق إخبار من يثقون به من الأطباء والخبراء وغيرهم. والله تعالى أعلى وأعلم.

فتاوى ذات صلة:

Send this to a friend