اليأس من عفو الله

هل اليأس من العفو يُعتبر حرامًا أم أنه إيعاز شيطانيٌّ يوسوس به للإنسان؟

 

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه؛ أما بعد:
فإن اليأس من رحمة الله كبيرةٌ من الكبائر، وهو صفةٌ من صفات الكفار، فقد قال تعالى على لسان عبده يعقوب: {يَابَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ} [يوسف: 87]. وقال تعالى على لسان خليله إبراهيم: {قَالَ وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ} [الحجر: 56].
فإن كان مردُّ الإياس من العفو إلى إنكار سعةِ الرحمة للذنوب فهو كُفرٌ، لما يتضمنه من تكذيب النصوص القطعية، وإن كان مردُّه إلى استعظام الذنوب واستبعاد العفو عنها استبعادًا يدخل في حدِّ اليأس فهو من الكبائر.
فلا تيأس من رحمة ربِّك أبدًا، بل ادعُ اللهَ وأنت موقن بالإجابة(1)، وربُّك واسع المغفرة(2)، ولا يردُّ من قصَدَه خائبًا أبدًا، ويستحيي من عبده أن يرفع إليه يديه فيردهما خائبتين(3). والله تعالى أعلى وأعلم.

________________

(1) فقد أخرج الترمذي في كتاب «الدعوات» باب «ما جاء في جامع الدعوات عن النبي ﷺ» حديث (3479)، والحاكم في «مستدركه» (1/670) حديث (1817). من حديث أبي هريرة  قال: قال رسول الله ﷺ: «ادْعُوا اللهَ وَأَنْتُمْ مُوقِنُونَ بِالْإِجَابَةِ وَاعْلَمُوا أَنَّ الله لَا يَسْتَجِيبُ دُعَاءً مِنْ قَلْبٍ غَافِلٍ لَاهٍ»، وقال الحاكم: «حديث مستقيم الإسناد»، وذكره الألباني في «صحيح سنن الترمذي» حديث (3479).
وأخرج أحمد في «مسنده» (2/177) حديث (6655) من حديث عبد الله بن عمرو ب: أن رسول الله ﷺ قال: «الْقُلُوبُ أَوْعِيَةٌ وَبَعْضُهَا أَوْعَى مِنْ بَعْضٍ، فَإِذَا سَأَلْتُمُ اللهَ  أَيُّهَا النَّاسُ فَاسْأَلُوهُ وَأَنْتُمْ مُوقِنُونَ بِالإِجَابَةِ فَإِنَّ اللهَ لَا يَسْتَجِيبُ لِعَبْدٍ دَعَاهُ عَنْ ظَهْرِ قَلْبٍ غَافِلٍ»، وذكره الهيثمي في «مجمع الزوائد» (10/148) وقال: «رواه أحمد وإسناده حسن».

(2) قال تعالى: {الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى } [النجم: 32].

(3) ففي الحديث الذي أخرجه أبو داود في كتاب «الصلاة» باب «الدعاء» حديث (1488)، والترمذي في كتاب «الدعوات» باب «في دعاء النبي ﷺ» حديث (3556)، وابن ماجه في كتاب «الدعاء» باب «رفع اليدين في الدعاء» حديث (3865). من حديث سلمان  قال: قال رسول الله ﷺ: «إِنَّ رَبَّكُمْ تَبَارَكَ وَتَعَالَى حَيِيٌّ كَرِيمٌ يَسْتَحْيِي مِنْ عَبْدِهِ إِذَا رَفَعَ يَدَيْهِ إِلَيْهِ أَنْ يَرُدَّهُمَا صِفْرًا». وقال الترمذي: «حديث حسن».

فتاوى ذات صلة:

Send this to a friend