عمل حفل للمسلمة الحامل وفق ما يعمله الأمريكيات

جرت العادة في هذا المجتمع أنه إذا ما حملت المرأة واقترب وقت الوضع أن تعد صديقاتها لها حفلًا من غير علمها، بعدها تدعى للحفل لكي يقدمن لها الهدايا للطفل المتوقع ولادته عما قريب، وقد انتقلت هذه العادة إلى كثير من النساء المسلمات حتى أصبحت تمارس وكأنها من أعراض الإسلام. فما رأي الشريعة المطهرة في هذا النوع من العادات المكتسبة من المجتمع الأمريكي؟

 

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
الأصل هو النهي عن التشبه بغير المسلمين؛ فإن المشاركة بين المتشابهَيْن في الأمور الظاهرة تورث ميلًا وموادة في الباطن؛ فإن اللابس لثياب أهل العلم مثلًا يجد في نفسه نوع انضمام إليهم، واللابس لثياب المجاهدين يجد في نفسه نوع تخلق بأخلاقهم، فكذلك التشبه بغير المسلمين في عاداتهم وتقاليدهم الظاهرة يورث القلب ميلًا إليهم ومحبة وموالاة لهم، وموادة هؤلاء ومحبتهم تنافي الإيمان، قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ﴾ [الممتحنة: 1] وقال تعالى: ﴿لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ﴾ [المجادلة: 22]
وعن عمرو بن العاص رضي الله عنه  قال: سَمِعْتُ رسولَ الله ﷺ جهارًا غير سر يقول: «أَلَا إِنَّ آلَ أَبِي- يعني فلانًا- لَيْسُوا لِي بِأَوْلِيَاءَ، إِنَّمَا وَلِيِّي اللهُ وَصَالِحُ الْـمُؤْمِنِينَ»». رواه مسلم(1).
قال القاضي عياض: قيل إن المكنى عنه هاهنا هو الحكم بن أبي العاص. والله أعلم. وقد عنون النووي لهذا الحديث؛ فقال: باب موالاة المؤمنين ومقاطعة غيرهم والبراءة منهم(2).
وعن ابن عمر ب أن رسول الله ﷺ قال: «مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ»(3).
وهذا الحديث أقل أحواله أن يقتضي تحريم التشبه بهم، ثم يكون الحُكم في هذا المتشبه بحسب القدر الذي شابههم فيه، فإن كان كفرًا أو معصية أو شعارًا لها كان حكمه كذلك. ومن يستقرئ نصوص الشريعة المطهرة يدرك أن المخالفة للكافرين أمر مقصود للشارع؛ فقد أمرنا بتغيير الشيب مخالفة لليهود(4)، وأمرنا بإعفاء اللحى وإحفاء الشوارب مخالفة للمشركين والمجوس(5)، ونهينا عن حلق القفا مخالفة للمجوس(6)، ونهينا عن ترك الصلاة في النعال مخالفة لليهود(7)، وأمرنا بالسحور وتعجيل الفطر مخالفة لأهل الكتاب(8)، وأمرنا بمؤاكلة الحائض والاجتماع بها في البيوت مخالفة لليهود(9)، ونهينا عن الصلاة وقت طلوع الشمس وغروبها حسمًا لمادة مشابهة الكفار(10).. إلى غير ذلك من الأحكام التي تقرر هذا الأصل وتبين أنه مقصود للشارع.
بعد تقرير هذا الأصل العام نقرر كذلك أن مبدأ التهادي من موجبات المحبة بين المسلمين، وقد ورد فيه قوله: «تَهَادُوا تَحَابُّوا»(11).
والمرأة الحامل لاسيما في مراحل حملها الأخيرة تحتاج إلى دعم وإعانة، وتمس حاجتها إلى من يقف بجوارها ويواسيها بنفسه وماله.
ولكي نجمع بين الخيرين: إقامة فضيلة التهادي من ناحية، وعدم التشبه بغير المسلمين من ناحية أخرى، فإننا ننصح بالإبقاء على مبدأ التهادي، مع الاجتهاد في مخالفة القوم ما استطعنا إلى ذلك سبيلًا، سواء أكان ذلك في الشكل أو في المضمون. فنبقي جوهر التهادي المسنون ونهدم إطار التشبه المذموم. والله تعالى أعلى وأعلم.

______________________

(1) أخرجه مسلم في كتاب «الإيمان» باب «موالاة المؤمنين ومقاطعة غيرهم والبراءة منهم» حديث (215).

(2) «شرح النووي على صحيح مسلم» (3/87- 88).

(3) أخرجه أبو داود في كتاب «اللباس» باب «في لبس الشهرة» حديث (4031) من حديث ابن عمر ب، وذكره الحافظ العراقي في «تخريج أحاديث الإحياء» (1/217) وقال: «أبو داود من حديث ابن عمر بسند صحيح». وحسنه الألباني في «مشكاة المصابيح» حديث (4347).

(4) فقد أخرج البخاري في كتاب «اللباس» باب «الخضاب» حديث (5899)، ومسلم في كتاب «اللباس والزينة» باب «في مخالفة اليهود في الصبغ» حديث (2103) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إِنَّ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى لَا يَصْبُغُونَ فَخَالِفُوهُمْ». والترمذي في كتاب «اللباس» باب «ما جاء في الخضاب» حديث (1752) بلفظ: «غَيِّرُوا الشَّيْبَ وَلَا تَشَبَّهُوا بِالْيَهُودِ» وقال: «حسن صحيح».

(5) ففي الحديث المتفق عليه: الذي أخرجه البخاري في كتاب «اللباس» باب «تقليم الأظفار» حديث (5892)، ومسلم في كتاب «الطهارة» باب «خصال الفطرة» حديث (259) من حديث ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «خَالِفُوا الْـمُشْرِكِينَ، أَحْفُوا الشَّوَارِبَ وَأَعْفُوا اللِّحَى». وأخرجه مسلم في كتاب «الطهارة» باب «خصال الفطرة» حديث (260) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه بلفظ: «جُزُّوا الشَّوَارِبَ وَأَرْخُوا اللِّحَى خَالِفُوا الْـمَجُوسَ».

(6) أخرجه الطبراني في «الأوسط» (3/220) حديث (2969) من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: «نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن حلق القفا إلا الحجامة»، وذكره الهيثمي في «مجمع الزوائد» (5/169) وقال: «وفيه سعيد بن بشير وثقه شعبة وغيره وضعفه ابن معين وغيره وبقية رجاله رجال الصحيح».
وأخرج عبد الرزاق في «مصنفه» (11/453) حديث (20986) عن قتادة: أن عمر بن الخطاب رأى رجلا قد حلق قفاه ولبس حريرًا فقال: من تشبه بقوم فهو منهم.
وأخرج الديلمي في «مسند الفردوس» (2/146) حديث (2749) عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: «حلق القفا من غير حجامة مجوسية».
وفي «الورع» لأحمد بن حنبل (1/178): سألت أبا عبد الله عن حلق القفا قال: هو من فعل المجوس ومن تشبه بقوم فهو منهم.

(7) فقد أخرج أبو داود في كتاب «الصلاة» باب «الصلاة في النعل» حديث (652)، والحاكم في «مستدركه» (1/391) حديث (956)، وابن حبان في «صحيحه» (5/561) حديث (2186). من حديث شداد بن أوس رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «خَالِفُوا الْيَهُودَ فَإِنَّهُمْ لَا يُصَلُّونَ فِي نِعَالِـهِمْ وَلَا خِفَافِهِمْ»، وقال الحاكم: «صحيح الإسناد ولم يخرجاه»، وذكره الألباني في «صحيح الجامع» حديث (3210).

(8) فقد أخرج أبو داود في كتاب «الصوم» باب «ما يستحب من تعجيل الفطر» حديث (2353) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لَا يَزَالُ الدِّينُ ظَاهِرًا مَا عَجَّلَ النَّاسُ الْفِطْرَ لِأَنَّ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى يُؤَخِّرُونَ»، وصححه الألباني في «مشكاة المصابيح» حديث (1995).

(9) فقد أخرج ابن ماجه في كتاب «الطهارة وسننها» باب «ما جاء في مؤاكلة الحائض وسؤرها» حديث (644) من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه: أن اليهودَ كانوا لا يجلِسون مع الحائض في بيت ولا يأكلون ولا يشربون. قال: فذُكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فأنزل الله:{ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ} [البقرة: 222] فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اصْنَعُوا كُلَّ شَيْءٍ إِلَّا الْـجِمَاعَ». وذكره الألباني في «صحيح سنن ابن ماجه» (644).

(10) فقد أخرج النسائي في كتاب «المواقيت» باب «النهي عن الصلاة بعد العصر» حديث (572) من حديث عمرو بن عبسة رضي الله عنه قال: قلت: يا رسول الله هل من ساعة أقرب من الأخرى أو هل من ساعة يبتغى ذكرها؟ قال: «نَعَمْ؛ إِنَّ أَقْرَبَ مَا يَكُونُ الرَّبُّ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ الْعَبْدِ جَوْفَ اللَّيْلِ الْآخِرَ؛ فَإِنْ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَكُونَ مِمَّنْ يَذْكُرُ الله عَزَّ وَجَلَّ فِي تِلْكَ السَّاعَةِ فَكُنْ فَإِنَّ الصَّلَاةَ مَحْضُورَةٌ مَشْهُودَةٌ إِلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ، فَإِنَّهَا تَطْلُعُ بَيْنَ قَرْنَيِ الشَّيْطَانِ وَهِيَ سَاعَةُ صَلَاةِ الْكُفَّارِ فَدَعِ الصَّلَاةَ حَتَّى تَرْتَفِعَ قِيدَ رُمْحٍ وَيَذْهَبَ شُعَاعُهَا، ثُمَّ الصَّلَاةُ مَحْضُورَةٌ مَشْهُودَةٌ حَتَّى تَعْتَدِلَ الشَّمْسُ اعْتِدَالَ الرُّمْحِ بِنِصْفِ النَّهَارِ فَإِنَّهَا سَاعَةٌ تُفْتَحُ فِيهَا أَبْوَابُ جَهَنَّمَ وَتُسْجَرُ فَدَعِ الصَّلَاةَ حَتَّى يَفِيءَ الْفَيْءُ، ثُمَّ الصَّلَاةُ مَحْضُورَةٌ مَشْهُودَةٌ حَتَّى تَغِيبَ الشَّمْسُ فَإِنَّهَا تَغِيبُ بَيْنَ قَرْنَيْ شَيْطَانٍ وَهِيَ صَلَاةُ الْكُفَّارِ». وذكره الألباني في «صحيح سنن النسائي» (572).

(11) أخرجه البخاري في «الأدب المفرد» (1/208) حديث (594)، وأبو يعلى في «مسنده» (11/9) حديث (6148)، وابن طاهر في «مسند الشهاب» (1/381) حديث (657)، والبيهقي في «الكبرى» (6/169) حديث (11726)، وذكره ابن الملقن في «خلاصة البدر المنير» (2/118) وقال: «رواه البيهقي من رواية أبي هريرة بإسناد ضعيف وروي من طريق ابن عمر وقال ابن طاهر: وهو أصح ما ورد في الباب مع الاختلاف عليه»، والحافظ العراقي في «تخريج أحاديث الإحياء» (2/118) وقال: «البخاري في كتاب الأدب المفرد والبيهقي من حديث أبي هريرة بسند جيد».

تاريخ النشر : 26 ديسمبر, 2017

فتاوى ذات صلة:

Send this to a friend