حول نفقة الولد على والده رغم ظلمه له

1- يا فضيلة الشيخ، أود أن أعرف مدى هذا الحديث: «أَنْتَ وَمَالُكَ لِأَبِيكَ»( )، هل هذا مفتوح على أشده؟
2- هل ينبغي عدل الأب إذا أنفق على زواج البنت ينفق على زواج الولد؟ وهل له علاقة بالميراث؟ أي إذا أنفق على زواج البنت ولم ينفق على زواج الولد؟
3- هل أب يملك عقارًا وولده لا يملك عقارًا، وكانت قيمة العقار مرتفعة، وكان الولد ينفق من دخله على الوالد، ثم باع الأب العقار بثمن مرتفع وتبرأ من ولده وتركه بعد 20 سنة من الإنفاق، هل ذلك حلال أم ظلم؟
4- والد باع قطعة أرض لزوجته بيعًا صوريًّا، وتوفيت الزوجة، هل هذا نافذ في حق الورثة أم ترجع إلى الأب ويتصرف فيها؟

 

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه؛ أما بعد:
فإن ما أشرتِ إليه من حديث «أَنْتَ وَمَالُكَ لِأَبِيكَ» لا يعني أن جميع مال الولد ملكٌ للأب يتصرف فيه كيف يشاء ببيع وهبة ونحوه، فإن للابن ذمة مالية مستقلة ومنفصلة عن ذمة الأب، ولكن يراد به أنه متى احتاج الأب إلى شيء لا يتضرر ولده بأخذه منه فإنه يجب عليه أن يُعين والده بما يحتاجه بغير مطل ولا تسويف، ولكن ليس للأب أن يأخذ من مال ولده ما يضره، وليس له أن يأخذ من مال ولده ما يحتاجه هذا الولد، وليس له أن يأخذ من مال ولده ليعطي ولدًا آخر؛ فإن هذا يغري العداوة بين أولاده.
أما بالنسبة لنفقة الوالد على ولده فإنه يتعين على الوالد أن ينفق على أولاده بالمعروف، وأن يسوي بينهم في العطية، ولا يتقصد التمييز بينهم إلا لحاجة ومسوغ، كأن يكون التمييز لزمانةٍ أو لفقر وعيلة ونحوه، فإذا مرض أحد أبنائه فطبَّبه وأنفق على ذلك مالًا فلا يلزمه أن يخصص لبقية أولاده ما يوازي نفقة ولده المريض، بل يعطي لكل واحد من ولده حاجته، فمن احتاج إلى التزويج زوَّجه، ومن احتاج إلى العلاج عالجه، ومن احتاج إلى المواساة لفقره وعيلته واساه، ولا يلزمه ذلك بالنسبة لبقية أولاده الموسرين وهكذا. وإذا زوَّج الرجل أحدَ أولاده في حياته لحاجته إلى الزواج فلا يلزم أن يخصص جزءًا من التركة لتزويج بقية أولاده، أما إذا امتنع عن النفقة الواجبة على بعض أولاده جورًا واستطالة، فإن هذا يصبح دينًا لهم في التركة، يُعطى لهم قبل توزيعها على بقية الورثة.
ولا يخفى من نبرة سؤالك شكايتك من تصرفات بعض الآباء، ولا ننكر أن في الواقع في بعض الأحيان ما يسوغ مثل هذه الشكاية، ولكن الذي لا يفوتنا التأكيد عليه هو عظم حق الوالد على ولده، وأن الله قد قرن شكره بشكر الوالدين(1)، وأمر بالإحسان إليهما بعد الأمر بعبادته مباشرة(2)، وأن عقوقهما من الكبائر(3)، وأنه مهما بذل الولد من إحسان إلى والديه فلن يبلغ عشر معشار ما يجب عليه تجاههما.
ونسأل الله التوفيق والسداد. والله تعالى أعلى وأعلم.

_________________

(1) قال تعالى: ﴿وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ﴾ [لقمان: 14].

(2) قال تعالى: ﴿وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا﴾ [النساء: 36].

(3) ففي الحديث الذي أخرجه البخاري في كتاب «استتابة المرتدين والمعاندين وقتالهم» باب «إثم من أشرك بالله وعقوبته في الدنيا والآخرة» حديث (6920) من حديث عبد الله بن عمرو ب قال: جاء أعرابي إلى النبي ﷺ فقال: يا رسول الله ما الكبائر؟ قال: «الْإِشْرَاكُ بالله». قال: ثم ماذا؟ قال: «ثُمَّ عُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ»… الحديث.

تاريخ النشر : 26 ديسمبر, 2017
التصنيفات الموضوعية:   12 النفقات, 12 فتاوى المرأة المسلمة

فتاوى ذات صلة:

Send this to a friend