بين العمل كطبيب وطلب العلم الشرعي على يد المشايخ

يا شيخ أنا من الجزائر؛ عندي صديق متديِّن متخرج بشهادة طبيب ويحفظ ثلث القرآن ويجتهد في طلب العلم، ومع ذلك ترك العمل وهو يرغب في السفر إلى مصر لطلب العلم الشرعي عند المشايخ، وهو يحاول من أكثر من سَنة ويتصل بالمشايخ ولكن دون جدوى، فالمشايخ معظمهم مشغولون عن الكلام معه في الهاتف حتى يستأذنهم ويستفسر عن كيفية الإقامة عندهم. ولم يرد عليه إلا شيخٌ عبر موقعه على النت بقول مجمل مضمونه مرحبًا بكم. وفقط.
وعزم هذا الأخ على السفر إلى مصر دون أن يعلم وجهته أو إلى أي شيخ من المشايخ، وحصل على تأشيرة سياحية وحصل على تذكرة طيران، ولكن طرأ عليه طارئ وهو في طريقه إلى المطار فأبطل الرحلة، وزاد ألم هذا الأخ ما فاته من الفضل. ثم قرَّر السفر للعُمرة وبفضل الله اعتَمر، ضاق عليه الحالُ فلا عِلْم طلب عند المشايخ والوقت يمرُّ سريعا عليه ولا وظيفةَ حصَّل، مع أنه لم يُرد أن يعمل في مجاله- الطب- وقد فاته عدةُ وظائف لا يجدها الآن لما كان يسعى في السفر لطلب العلم، وبعد ذلك جاءه دعوة للتوظيف كطبيب في فندق معروف في كندا- ولا يخفى عليك المخالفات الشرعية في الفنادق الغربية- وتردد في نفسه ذلك الشأن مع علمه بالحكم الشرعي في ذلك. فبماذا تنصحونه. وجزاكم الله عنا خيرًا شيخنا الحبيب.

 

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه؛ أما بعد:
فالذي يظهر لي أيها المبارك أن طبيعة المرحلة التي تمرُّ بها مصر الآن تجعل المشايخ في شغل بالهم اليومي المصري عن الانقطاع لتدريس العلم، واستيعاب الوافدين، والقيام على تعليمهم على النحو المنشود، اللهم إلا إذا كنت تقصد محاولة التقدم إلى بعض معاهد العلم الشرعية الأهلية، وهذه بها بعض الخير ولكن ليس بالقدر الذي يتوقعه ضيفنا الحبيب.
وأرى له أن يجتهد في الحصول على وظيفة طبِّية في أجواء مواتية، والطب رسالة نبيلة، وكان الشافعي رحمه الله يقول: «لا أعلم علمًا بعد الحلال والحرام أنبل من الطب»(1). وكان يقول: «العلم علمان: علم الأديان، وعلم الأبدان»(2).
فلا بأس أن يبحث عن عمل مناسب في مجال تخصُّصه، ويبدأ حياته العائلية مبكرًا، فيلتمس له زوجةً صالحة، ثم يتحيَّن الأسباب للحصول على فرصة مناسبة لطلب العلم، فإن جاءت له فرصة عمل في بلاد الحرمين فربما كانت فرصةً مناسبة يجمع الله له بها بين الدين والدنيا، وإن لم يتيسر له ذلك قريبًا فليلتحق بطلب العلم من خلال التعليم عن بُعد إلى حين، والجامعات الإسلامية التي تعلم عن بُعدٍ كثيرة، ومن بينها جامعة «مشكاة»: الجامعة الإسلامية بأمريكا الشمالية. وذلك إلى حين، ومثله لا يضيع إن شاء الله، ولكن لله في تدبير أحوال عباده شئون، ونسأل الله لنا وله التوفيق. والله تعالى أعلى وأعلم.

____________________

(1) ذكره الذهبي في «سير أعلام النبلاء» (10/57).

(2) أخرجه أبو نعيم في «حلية الأولياء» (9/142).

تاريخ النشر : 26 ديسمبر, 2017
التصنيفات الموضوعية:   09 آداب العلم وطرق تحصيله

فتاوى ذات صلة:

Send this to a friend