الظن في العبادات

إلى الآن لم نقف ولم نسمع بأيِّ دليل يُرخِّص في اتِّباع الظَّن في العبادات، إلا إذا كان في أمور أخرى الله أعلم، بل وجدنا فقط أدلة تمنع من اتِّباع الظَّن، وهي: في الصَّحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إِيَّاكُمْ وَالظَّنَّ، فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الْـحَدِيثِ». وقوله تبارك وتعالى: إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنْفُسُ ۖ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَىٰ [النجم: 23]، وقوله أيضًا: وَمَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ ۖ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ ۖ وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا [النجم: 28].
أما دليلهم في اتِّباع الظَّن ما رواه ابن مسعودٍ عن الرَّسول صلى الله عليه وسلم كما ذُكر في الحديث أنه:«إِذَا شَكَّ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاتِهِ فَلْيَتَحَرَّ الصَّوَابَ».
التَّحرِّي لا يُقصد به قطعًا اتِّباع الظَّن؛ ولهذا نلاحظ أن الأدلة على عدم اتِّباع الظَّنِّ أقوى وأوضح وأبرأ للذمة من اتِّباع الظن، والله أعلم. نرجو جوابكم على هذا؟ بارك اللهُ فيكم.


بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه و من والاه؛ أما بعد:
فإن الظَّنَّ هو رجحان أحد طرفي التجويز، بخلاف الشَّك فإنه تردُّد الذِّهن بين أمرين على حدٍّ سواء.
فالظنُّ هو إدراك الطَّرف الرَّاجح، ومن ذلك قولهم: إن مبنى الفقه على غلبة الظَّن، أي: جُل مسائله.
ولا يخفى أن من أدلة الفقه ما هو قطعيٌّ في ثبوته وفي دلالته يحصل معه اليقين للناظر، ومنه ما هو ظنِّيٌّ في ثبوته أو في دلالته يترجَّح للنَّاظر فيه أحد الأمرين، ولا يصل الأمر فيه إلى درجة الجزم واليقين، ولكن العمل بالرَّاجح مقطوع به ومُتَّفقٌ عليه عند أهل العِلْم.
والظَّنُّ مذموم في الجملة في باب العقائد؛ لأن مبناها على اليقين، وقد ذمَّ الله جلَّ وعلا أهل الكفر فيما قصَّه عنهم في قوله تعالى إِنْ نَظُنُّ إِلَّا ظَنًّا وَمَا نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ [الجاثية: 32]، وفي قوله تبارك وتعالى: إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنْفُسُ ۖ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَىٰ [النجم: 23]، وقوله أيضًا: وَمَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ ۖ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ ۖ وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا [النجم: 28].
وهو مقبول في المسائل الاجتهاديَّة في الفقه، حتى قال بعض أهل العِلْم في تعريف الفقه: إنه تحصيل ظنٍّ بحكم شرعيٍّ.
وقد يُطلق الظَّنُّ ويراد به العِلْم، ومن ذلك ما قصَّه الله تعالى عن قول من أوتي كتابه بيمينه يوم القيامة إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيَهْ [الحاقة: 20]، وقوله تعالى في أهل النار يوم القيامة: وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُوَاقِعُوهَا وَلَمْ يَجِدُوا عَنْهَا مَصْرِفًا [الكهف: 53].
نسأل الله لنا ولك التَّوفيق، والله تعالى أعلى وأعلم.

تاريخ النشر : 30 يناير, 2012
التصنيفات الموضوعية:   09 آداب العلم وطرق تحصيله

فتاوى ذات صلة:

Send this to a friend