الجمع بين بر الوالدين ومعاشرة الزوجة بالمعروف عند فساد ذات البين

لدي مشكلة عائلية، وهي كالتَّالي:
حدثت مشكلة بين والدي وزوجتي وطلب مني والدي حينها أن أُطلق زوجتي ثم تمَّ حلُّ المشكلة، وبعدها عادت زوجتي إلى البيت الذي أسكن فيه مع والدي ثم شاءت الأقدار أن أُسافر إلى السعودية للعمل، وفي هذة الفترة كان كلٌّ من أهلي (والدي ووالدتي وأخواتي) من جهة وزوجتي من جهة أخرى، كان كلٌّ منهم يتحمَّل الآخر من أجلي، ولهدفِ أنه كلٌّ منهم كان ينتظر خطأً من الآخر، والدي كان يُريد من زوجتي أن تُخطئ حتى يقول لي أنه كان على حقٍّ في المرة السابقة في وصفها بقليلة أدب، وزوجتي كانت تُريد منهم أن يُخطئوا عليها حتى تُحمِّلهم خطأ المرة السَّابِقة واللاحقة، ولغرضٍ آخر هو البيت المنفصل.
لم يحدث أيٌّ من هذا، ولكن زوجتي ذهبت إلى بيت أهلها بعد ولادة البنت الثَّانية لنا، وهي عادة في بلدنا، أن تمكث المرأة النُّفَساء في بيت زوجها عشرين يومًا ثم تذهب إلى بيت أهلها عشرين يومًا وهي فترة النُّفَساء، ورفضت العودة إلى البيت الذي أسكن فيه مع والدي بدون سبب مباشر بدعوى أنها غير مرغوب فيها، مع أن والدي بالفعل كان يُخبرني أن زوجتي أصبح تواجدها في البيت ثقيلًا عليهم.
عندها طلب مني والدي أن أُطلِّقها أو أتزوَّج، لم يحدث أيٌّ من هذا بالرغم من أن الأمر بيني وبين زوجتي وصل إلى حافَة الطَّلاق، ثم تدخَّل ناسٌ من العقلاء لحلِّ المشكلة، وكان الحلُّ هو البيت المنفصل لي أنا وزوجتي وبنتينا، وتمَّ ذلك والحمدُ لله.
ولقد أخبرتُ من اقترح الحلَّ أن والدي لن يكون راضيًا عن هذا الحَلِّ فقال لي: أنا دائمًا ووالدك على الصراحة، وخاصة في أمر مثل هذا، وقد أخبرني أنه موافق.
وكذلك والدي أخبرني أنا بأنه موافق، وبدأت أُرسل الأموال لوالدي لتجهيز البيت، وتمَّ ذلك بموافقة والدي وجميع أهلي.
وسافرت في إجازة إلى بلدي لِمُدَّة شهرٍ وكانت الأمور طيبة، إلا أنه في أول يوم لي مع زوجتي في البيت الجديد طلبت منها أن نذهب معًا إلى بيت أهلي، وقد أخبرت والدي أنني سأذهب لأسهر معهم، فذهبنا واتصلت بوالدي لأخبره أنني أنتظره في بيت أهلي، فقال: نعم. ثم إنه أرسل رسالة على جوالي يقول فيها: إن كنتَ أتيتَ أنت وزوجتك فاذهب من بيتي ولستَ بابني ولست أنا بأبيك، اخرج من بيتي لا أريد أن أراك.
وتمَّ ذلك، ولكم أن تتخيَّلوا صدمتي في هذا الموقف وأنا الذي كنت أتخيَّل أن والدي كما زعم موافقٌ على البيت المنفصل، وهو الذي ذهب إلى أهل زوجتي ليرضيهم إن كان قد أخطأ في حقِّهم أحدٌ، سواء هو أو والدتي أو إخواني أو أخواتي، وهو من جهَّز البيت بنفسه، و.. و..
ثم قرَّرت عدم إرجاع العلاقة بين أهلي وزوجتي بعد أن رأيت إصرار والدي وتحريضه لوالدتي وأخواتي على تبنِّي نفس الموقف، وقد قال لي والدي قبل عودتي من الإجازة أنه إن لم تُعجبه تصرُّفات زوجتي سوف يضغط على زوجتي بواسطة البنت.
ثم انتهت الإجازة وسافرت للعمل من جديد والعلاقة بين أهلي وزوجتي شبه معدومة، إلا من ناحية وجود بنتي البالغة من العمر خمس سنوات التي تتنقل بين البيتين.
وهنا نأتي إلى السُّؤال: بدأت البنت تذهب من البيت الجديد إلى بيت أهلي، ولكنها ذهبت في الأسبوع الماضي وباتت عند والدتي وهذا الأمر ليس بجديد، وفي اليوم التَّالي رفضت البنت طلب والدي ووالدتي بأن تذهب عند والدتها، فذهبَتْ مع إحدى أخواتي لتحضر لها ملابس لتبيت عند والدتي في اليوم الثَّاني على التوالي، وطلبت منها والدتها أن تبيت معها فرفضت وبكت البنت وصاحت وكان بكاؤها شديدًا، عندها أخذتها والدتها بالقوة ولم تسمح لها بالذَّهاب إلى بيت أهلي، وكان الموقف صعبًا على والدتي.
بعد هذا الموقف هدَّأت أنا والدتي، ولكن والدي بدلًا من أن يُهدئ الموقف استغله وأرسل اليوم التَّالي أحد إخواني ليُحضر البنت، فرفضت زوجتي وقالت أنها في حاجة إليها للانتباه إلى أختها الصغيرة ومساعدتها.
فأرسل إلي والدي برسالة محتواها «إننا ظننَّا أنك ستُعيد زوجتك لتضبط عليها ولكن الرخاوة في هذا التَّعامُل ناتجة من عندك أنت».
هذا الكلام أثَّر فيَّ واتصلت بزوجتي، ومرة أخرى كنا على شفير الطَّلاق والعياذ بالله، وعندما اتصلت بوالدي قلت له: أُريد رضاك عني. فقال بالحرف: أنا غيرُ راضٍ، وإ ن استمرَّ الوضع على هذا الشكل لن أرضى عليك، وأنا مستعدٌّ أن أخلعك أنت وجميع إخوانك مني كما يخلع الثوب الوسخ. فقلت له: هل تقصد علاقتي معهم، زوجتي هي التي أنت غير راضٍ عنها. فقال: نعم. وقال: هل تُريد مني أن أظل متفرجًا لما يحدث. يقصد طبيعة تعاملي مع زوجتي. وقال: إنه عندما أرسل واحدًا من إخواني ليحضر البنت كان يقصد أن يفضح تصرفات زوجتي معه، وكما يدَّعي أنها لا تحترمه نتيجة هذا التصرُّف، وقال أيضًا: يجب أن تدوس على زوجتك بالحذاء وتُؤدِّبها.
كلامٌ كثير يُنبئ عن أشياء كبيرة تحت الكلام، فهل له الحقُّ في التدخُّل في حياتي إلى هذا الحد؟ وهل يحقُّ له أن يغضب عليَّ إن لم تذهب بنتي إليهم في حال الطلب وفي أية لحظة؟ وهل يحقُّ لزوجتي أن تمتنع عن إحضار ابنتي إليهم في حال أن طلبوها؛ لاسيَّما أنها تقول بتحريضهم للبنت عليها، وحجتها في هذا أنها تأتي إليها مرغمة بعد أن تبيت عند أهلي؟
وإنني فكرت في القدوم لزوجتي وبنتيَّ، وإن فعلتُ فوالدي إن لم يغضب فسيكون غيرَ راضٍ. فهل يحقُّ له هذا التدخُّل في حياتي إلى هذا الحدِّ أيضًا؟
علمًا بأن بيني وبين زوجتي علاقةً مميزة لولا تدخُّل العائلتين وحبٌّ كبير، ومعلوم أنه لا يُمكن لأحد إخفاؤه أو إنكاره، وهي تحترمني وتُطيعني إلا فيما شرحت لكم والتي تعتبره تحريضًا من عائلتي وتعتبر أن لها الحقَّ في رفضه، أمَّا إن كان المطلب حقًّا وإن كان بتحريض من عائلتي حسب رأيها فلا اعتراض لديها.
كل أنواع التواصل بين أهلي وزوجتي مقطوعة تمامًا حتى على مستوى التليفون، الاحترام الذي يقول والدي أنها لا تحترمه هو أنها لم تُحضر البنت في الوقت الذي طلبها هو.
نرجو منكم إرشادنا إلى ما فيه خيرَا الدُّنْيا والآخرة إن شاء اللهُ، وما مدى أحقية زوجتي لبنتها؟ وما مدى أحقية الوالد بالطاعة وإلى أيِّ مدى؟ وما هو البر؟ وما هي الطاعة؟ وما الفرق بينهما؟ وأرجو السماح على الإطالة. وجزاكم اللهُ ألف خير.

 

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه و من والاه؛ أما بعد:
فإن اللهَ جلَّ وعلا قد تعبَّدك بمعاشرة زوجتك بالمعروف كما تعبَّدك بالإحسان إلى والديك والبرِّ بهما، فلا يضيق صدرك بعبودية منهما، وإن البرَّ بالوالدين لا يعني ظلم الزَّوْجة أو الإضرار بها أو إساءة عشرتها، فبالقسط قامت السموات والأرض، وليس من البرِّ بالوالدين طاعتهما في طلاق الزَّوْجة في غير ما بأس، بل ذكر بعضُ أهل العِلْمِ أن عمل الوالدين في هذه الحالة يكون من جنس عمل السحرة الذين يُفرِّقون بين المرء وزوجه.
فأحسن إلى والديك، وعاشر زوجتك بالمعروف، وسلِ الله أن يرزقك البصيرة في الجمع بين هذين الأمرين، واجتهد في إصلاح علاقة أهلك بوالديك ما استطعت.
والاستقلال بمسكن مع الزَّوْجة لا يتنافى مع البرِّ بالوالدين، لاسيَّما مع فساد ذات البين، إلا إذا كان الوالدان في حاجة إلى رعاية دائمة، وكان الاستقلال بمسكنٍ يَضُرُّ بهما ضررًا بينًا، وليست حالتك من هذا القبيل.
والأم أولى ببنتها في مرحلة الطفولة، ولا يعني هذا سلب حقوق الجدِّ وسائر ذوي القربى، ولكن الأم مقدمة إذا لم يتعلق الأمر بتربية وتوجيه ونحوه.
وأسأل الله أن يلهمك رشدك، وأن يجعلَ لك فَرَجًا ومَخْرَجًا. واللهُ تعالى أعلى وأعلم.

تاريخ النشر : 26 ديسمبر, 2017
التصنيفات الموضوعية:   05 النكاح, 07 آداب وأخلاق

فتاوى ذات صلة:

Send this to a friend