حول إعلام الرجل زوجته بمجيئه قبل عودته

حول إعلام الرجل زوجته بمجيئه قبل عودته

السؤال:

شيخي الفاضل ارغب بالاستفسار حول إعلام الرجل زوجته بمجيئه قبل عودته …

لقد ذكر أحد المفتين السابقين في كلمة متلفزة له أن الإتيكيت الإسلامي أنك تتصل بزوجتك قبل أن تذهب إلى البيت،

لإعطاء فرصة لها إن كان معها أي شخص أن يذهب، قبل أن تكتشف أنها زانية، فقال ما نصه:

«قبل ما تروح بيتك اتصل بمراتك وقول لها إنك جاي لعل معها رجل فأعطه فرصة ليمشي».

إذا عاش رجل مع زوجته وهو لا يعلم أنها على علاقة برجل، وتشكك فقضى على الشك في نفسه، فلا بأس،

والنبي صلي الله عليه وسلم، كان يأمرنا بذلك، ويقول: «من آتي منكم من السفر، فلا يطرقن أهله بليل».

واستطرد: «لابد أن تذهب إلى المسجد وتتصل بالتليفون وتقول (أنا جاي) بعد نصف ساعة، احترامًا لنساء المسلمين».

وقال: «فوت لمراتك وعديلها، وهذا التفويت من الدين».

الجواب

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه؛ أما بعد:

فقد صح نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن أن يطرق الرجل أهله ليلًا. والطروق بالضم المجيء بالليل من سفر

أو غيره على غفلة.

وعلل ذلك في الحديث بأن تمتشط الشعثة وتستحد المغيبة، أي تستعد للقاء زوجها فتزيل شعثها وتُحسن التبعل لزوجها،

ولكيلا يتطرق إلى وهم الزوجة أن زوجها يتخوَّنها ويسيء الظن بها، وكل ذلك ثابت في السنة المطهرة.

فعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غَزَاةٍ،

فلما أقبلنا تعجَّلت على بَعيرٍ لي قَطُوفٍ(1)، فلحقني راكبٌ خلفي، فَنَخَس بعيري بعنزة كانت معه،

فانطلق بعيري كأجود ما أنت راءٍ من الإبل، فالتفتُّ فإذا أنا برسولِ الله صلى الله عليه وسلم فقال:

«مَا يُعْجِلُكَ يَا جَابِرُ؟» قلت: يا رسول الله إني حديثُ عهدٍ بعُرس. فقال: «أَبِكْرًا تَزَوَّجْتَهَا أَمْ ثَيِّبًا». قال: قلت:

بل ثيبًا! قال: «هَلَّا جَارِيَةً تُلَاعِبُهَا وَتُلَاعِبُكَ». قال: فلما قدمنا المدينة ذهبنا لندخل فقال:

«أَمْهِلُوا حَتَّى نَدْخُلَ لَيْلًا- أي عشاء- كَيْ تَمْتَشِطَ الشَّعِثَةُ وَتَسْتَحِدَّ الْـمُغِيبَةُ». قال: وقال:

«إِذَا قَدِمْتَ فَالْكَيْسَ الْكَيْسَ(2)»(3).

ورواية مسلم للحديث من طريق سيَّار، عن عامر عنه، بلفظ: «إِذَا قَدِمَ أَحَدُكُمْ لَيْلًا فَلَا يَأْتِيَنَّ أَهْلَهُ طُرُوقًا حَتَّى

تَسْتَحِدَّ الْـمُغِيبَةُ وَتَمْتَشِطَ الشَّعِثَةُ»(4).

ومن طريق عاصم عن الشعبي عنه بلفظ: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أطال الرجل الغيبة أن يأتي

أهله طروقًا(5). ومن طريق سفيان عن محارب عنه بلفظ: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يطرق الرجل أهله ليلًا

يتخَوَّنهم أو يَلْتَمِسُ عَثَرَاتهم(6).

وهذا إنما يكون لمن تطول غيبته عن أهله، ويأتي فجأة،

أما من كان عادته أنه يعمل نهارًا ويرجع ليلًا، وأهله يعلمون بموعد عودته فلا يدخل في هذا النهي لدوران الحكم مع علته،

بل إن من أطال غيبته ووصل نهارًا فلا ينبغي أن يعجل بالدخول على أهله وإن كان الدخول نهارًا حتى يُعلمهن

لتستعد الزوجة للقائه.

قال النووي: «معنى هذه الروايات كلها أنه يكره لمن طال سفره، أن يقدم على امرأته ليلًا بغتةً،

فأما من كان سفرُه قريبًا تتوقع امرأته إتيانَه ليلًا فلا بأس، كما قال في إحدى هذه الروايات: (إذا أطال الرجل الغيبة)

وإذا كان في قفل عظيم أو عسكر ونحوهم، واشتهر قدومهم ووصولهم، وعلمت امرأته وأهله أنه قادم معهم وأنهم الآن

داخلون، فلا بأس بقدومه متى شاء لزوال المعنى الذي نَهَى بسببه، فإن المراد أن يتأهبوا وقد حصل ذلك ولم يقدم بغتةً،

ويؤيد ما ذكرناه ما جاء في الحديث الآخر: (أمهلوا حتى ندخل ليلًا أي عشاء كي تمتشط الشعثة وتستحد المغيبة).

فهذا صريحٌ فيما قلناه، وهو مفروض في أنهم أرادوا الدخول في أوائل النهار بغتةً فأمرهم بالصبر إلى آخر النهار؛

ليبلغ خبر قدومهم إلى المدينة، وتتأهب النساء وغيرهن»(7).

وليس من مقاصد الحديث ولا من مقاصد الشريعة توفيرُ غطاءٍ أَمنيٍّ للساقطات لكي يمارسن الفاحشة وهن مطمئنات

من المباغتة، ولا أظن أن هذا طاف بخيال مسلم طرفة عين!

هذا هو سياق الحديث وبساطه، وذلك هو تأويله عند أهل العلم.

والله تعالى أعلى وأعلم.

________________________
(1) أي: بطيء المشي. «شرح النووي على صحيح مسلم» (10/54).
(2) قال ابن الأعرابي: الكيس: الجماع. والكيس: العقل. والمراد: حثَّه على ابتغاءِ الولَدِ. «شرح النووي على صحيح مسلم» (10/55).
(3) متفق عليه؛ أخرجه البخاري في كتاب «النكاح» باب «تستحد المغيبة وتمتشط الشعثة» حديث (5247)، ومسلم في كتاب «الرضاع» باب «استحباب نكاح البكر» حديث (715).
(4) أخرجه مسلم في كتاب «الإمارة» باب «كراهة الطروق وهو الدخول ليلًا لمن ورد من سفر» حديث (715).
(5) أخرجه مسلم في كتاب «الإمارة» باب «كراهة الطروق وهو الدخول ليلًا لمن ورد من سفر» حديث (715).
(6) أخرجه مسلم في كتاب «الإمارة» باب «كراهة الطروق وهو الدخول ليلًا لمن ورد من سفر» حديث (715).
(7) «شرح النووي على صحيح مسلم» (13/71).

 

يمكنكم الإطلاع على المزيد من فتاوى النكاح الخاصة بفضيلة الشيخ الدكتور صلاح الصاوي 

كما ويمكنكم متابعة كافة الدروس والمحاضرات والبرامج الخاصة بفضيلة الشيخ الدكتور صلاح الصاوي

تاريخ النشر : 11 يناير, 2023
التصنيفات الموضوعية:   05 النكاح, 15 الأسرة المسلمة

فتاوى ذات صلة:

Send this to a friend