التوبة من شهادة زور أضرت بالمشهود عليه

كنت فيما مضى مقصِّرَة في حق ربي فلا أقيم الصلاة في موعدها، كذلك كنت على علاقة بأحد الشباب وترتَّب عليها أن شهدت زورًا في مسألة عائلية سببت الضيق لمن شهدت وكذبت عليها. مضى عام على هذا وأنا نادمةٌ ندمًا شديدًا ولا أنام الليل بسبب تأنيب الضمير والخوف من الله. كيف أتوب إلى الله بعد كل هذا؟

 

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه؛ أما بعد:
فإنَّ الله يبسُط يدَه بالنهار ليتوبَ مسيءُ الليل، ويبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار(1). ومن عمل سوءًا بجهالة ثم تاب من بعدُ وأصلحَ وجد الله توابًا رحيمًا(2). ولو بلغت ذنوبك عنانَ السماء ثم تبت إلى الله توبة نصوحًا لتقبل توبتك(3).{ وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ} [الشورى: 25].
وأركان التوبة يا بنيتي أربعة: وهي إصلاح الماضي بالندم، وإصلاح الحاضر بالإقلاع الفوري عن الذنب، وإصلاح المستقبل بالعزم على عدم العودة إلى الذنب أبدًا، ثم رَدُّ الحقوق والمظالم إلى أهلها.
وبالنسبة لتطبيق هذا الشرط الرابع على حالتك يلزمك أن تتحلَّلِي من صاحبة الحق، فإن حقوق العباد فيما بينهم القصاص لا محالَةَ؛ إلا إذا عفوا عنها، وطابت أنفسهم بذلك، فذلك أحوط للدين وأبرأ للذمة.
وإن خَشِيتِ أن يجُرَّ ذلك عليك تجديدًا للخصومات والعداوات، فاجتهدي في الدعاء لها بظهر الغيب، وأكثِرِي من ذلك حتى تظنِّي أنك قد وَفَّيت لها حقها وعوضتها عن مظلمتها.
ونسأل الله أن يُقيل عثرتك وأن يتقبل توبتك. والله تعالى أعلى وأعلم.

_________________

(1) فقد أخرج مسلم في كتاب «الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار» باب «استحباب الاستغفار والاستكثار منه» حديث (2703) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ تَابَ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا تَابَ اللهُ عَلَيْهِ».
وأخرج أيضًا في كتاب «التوبة» باب «قبول التوبة من الذنوب وإن تكررت الذنوب» حديث (2759) من حديث أبي موسى رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إِنَّ اللهَ عز وجل يَبْسُطُ يَدَهُ بِاللَّيْلِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ النَّهَارِ، وَيَبْسُطُ يَدَهُ بِالنَّهَارِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ اللَّيْلِ، حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا».
وأخرج أبو داود في كتاب «الجهاد» باب «في الهجرة هل انقطعت» حديث (2479) من حديث معاوية رضي الله عنه، قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لَا تَنْقَطِعُ الْـهِجْرَةُ حَتَّى تَنْقَطِعَ التَّوْبَةُ وَلَا تَنْقَطِعُ التَّوْبَةُ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ من مَغْرِبِهَا». وذكره الألباني في «صحيح سنن أبي داود» حديث (2479).

(2) قال تعالى: {وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ } [الأنعام: 54].

(3) فقد أخرج الترمذي في كتاب «الدعوات» باب «في فضل التوبة والاستغفار وما ذكر من رحمة الله» حديث (3540) من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «قَالَ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: يَا ابْنَ آدَمَ إِنَّكَ مَا دَعَوْتَنِي وَرَجَوْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ عَلَى مَا كَانَ فِيكَ وَلَا أُبَالِي، يَا ابْنَ آدَمَ لَوْ بَلَغَتْ ذُنُوبُكَ عَنَانَ السَّمَاءِ ثُمَّ اسْتَغْفَرْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ وَلَا أُبَالِي، يَا ابْنَ آدَمَ إِنَّكَ لَوْ أَتَيْتَنِي بِقُرَابِ الْأَرْضِ خَطَايَا ثُمَّ لَقِيتَنِي لَا تُشْرِكُ بِي شَيْئًا لَأَتَيْتُكَ بِقُرَابِهَا مَغْفِرَةً»، وقال الترمذي: «هذا حديث حسن»، وذكره ابن مفلح في «الآداب الشرعية» (1/ 114) وقال: «أخرجه الترمذي وهو حديث حسن».

تاريخ النشر : 26 ديسمبر, 2017
التصنيفات الموضوعية:   07 آداب وأخلاق, 19 الشهادات

فتاوى ذات صلة:

Send this to a friend