شروط عقد الزواج الزاني على من زنى بها

قرأنا العديد من فتاوىكم بخصوص شروط عقد الزواج على المزني بها، وخلاصتها أنه تجب التوبة ثم الاستبراء إذا كان الزواج بغير من زنت به، وإلا فلا. ولكن تردنا حالات في المغرب يصعب علينا أن نعطي فيها فتاوى، من ذلك:
هل مجرد الفرح بالزواج، علمًا بأن الإقلاع عن الزنا بالنسبة للمستفتية هو أمر طبيعي ما دامت لم تكن تأتي به إلا مع زوجها الحالي. بمعنى أنها لا تتذكر أنه حصل معها الندم والتوبة في ظل اختلاط مشاعرها بفرحة الزواج والستر. هل من الأحوط تجديد العقد؟
هناك من قاما فعلًا بتجديد عقدهما، معتبرين انصلاح الأحوال بعد الزواج كافيًا لحصول التوبة. فهل هذا التجديد صحيح؟ أم يجب إعادة التجديد مع التذكير بشروط التوبة كاملة؟
هناك من أتما عقدهما قبل الاستبراء، وفي المذهب المالكي يفسخ هذا الزواج تأبيدًا. وللأمانة، لم يصلنا أن أحد علماء بلدنا وهم مالكيون، يفتون بهذا؛ لأن فيه مشقة وحرجًا شديدين على الناس، بل يفتون بتجديد العقد بعد انتظار ثلاث حيضات. وهنا نجد الكثير من الاختلافات والإشكالات التي نتمنى رأيكم فيها لما لمسناه فيكم من رجاحة الرأي:
ألا يكفي تجديد العقد فقط دون انتظار أية حيضة، أم ما دمنا نشترط الاستبراء بثلاث حيضات في بداية العقد؛ فقد وجب تجديد العقد بنفس الشرط؟
هناك من أفتي بتجديد عقده بعد التحقق من الثلاث حيضات. وحين كان يستفتي كانت زوجته حائضًا، فقيل له أن يحتسبها حيضة أولى وأن يزيد عليها اثنتين، كما أنه يستطيع البقاء مع زوجته وأطفاله، وهم دون سن العاشرة، في البيت؛ حتى تجديد العقد. ألا يضر أي من الأمرين بتجديد العقد؟
حين يستفتينا من تُساوره شكوك حول تجديد عقده قبل أن تطهر زوجته كليًّا من الحيضة الثالثة، هل نبني على اليقين وعلى قول الزوجة، وبالتالي نعتبر التجديد صحيحًا شرعًا؟ أم ننصح بإعادة التجديد، مع ما في ذلك من مشقة إضافية؟
نرجو شيخنا أن يتسع صدركم للإجابة على كل هاته الحالات؛ لما في ذلك من تفريج لكرب المستفتين الذين تجثم على صدورهم غمة الوساوس والشكوك.
علمًا بأننا نلمس فيهم الخوف الشديد من الله، والبحث عن السكينة في شرعه ولا شيء غير شرعه. ولما في ذلك من توضيح لما يلتبس علينا وتزويدنا بما يعوزنا من الحجج، وسط هذا الزخم المتضارب من الفتاوى.

 

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه؛ أما بعد:
فإن الذي أفتينا به من وجوب التوبة من الزنا حتى يزول هذا الوصف عن الزانية ويصحُّ العقد عليها هو مذهب الحنابلة(1)؛ لقوله تعالى: { الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ } [النور: 3]، ونحن نفتي به خروجًا من الخلاف وأخذًا بالاحتياط، وذلك عندما نستفتى قبل إبرام عقد النكاح، أما إذا استفتينا بعد إبرام العقد أفتينا بصحَّته، وندبنا إلى تجديد العقد احتياطًا، إذا لم يعارض ذلك بمفسدة راجحة.
هذا. وإن مذهب الجمهور من الحنفية(2) والمالكية(3) والشافعية(4) على عدم اشتراط التوبة لصحة العقد، ومما استدلوا به قوله تعالى: {الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً} [النور: 3]، ولحديث: «لا يَنْكِحُ الزَّانِي المَجْلُودُ إِلاَ مِثْلَهُ»(5). فإنه يدل على صحة زواج الزاني من الزانية، وأنهما لا يحتاجان إلى تجديد العقد. وإنما يحرم زواج الزانية من العفيف وبالعكس.
وبطلان العقد- مع التحريم- موضع نظر بين أهل العلم، والظاهر أنهما إذا كانا جميعًا زانيين فعقدهما صحيح، ولا يحتاجان إلى تجديد عقد، وقد سئل ابن عباس رضي الله عنهما عن نكاح الزاني للزانية فقال: «أوله حرام وآخره حلال»(6). وروي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه ضرب رجلًا وامرأة بسبب زناهما، ثم حرص أن يزوجهما من بعضهما(7).
والمقصود أن اشتراط التوبة من الزنا بالنسبة للمرأة الزانية موضع خلاف بين أهل العلم، والجمهور على عدم اشتراط ذلك لصحة العقد، ففي الأمر سعة!
وينبغي اعتبار مثل هذا الخلاف فيما إذا كان الاستفتاء قبل إبرام العقد، أما إذا تمَّ العقد فلا ينبغي أن تختلف الكلمة في عدم وجوب تجديد هذا العقد؛ حتى لا نضيق على عباد اللهـ والفقه هو الرخصة من العالم الثقة، أما التحريم فيُحسنه كلُّ أحد.
وقد جاء في وثيقة مجمع فقهاء الشريعة للأحوال الشخصية بشأن الأنكحة المختلف في صحتها ما يلي:
• الأنكحة المختلف في صحتها بين الفقهاء لا تفسخ، ولكن يستحب تجديدها احتياطًا، كما لو أبرم العقد بدون ولي على كفء بمهر المثل، وكانت المرأة بالغة عاقلة.
وإذا كان هذا التجديد سيدخل أصحابه في محرقة الشكوك والهواجس فقد يكون تجاوزه أولى سدًّا للذرائع وتقليلًا للمفاسد، ودفعًا لهذه المفاسد الراجحة.
وبعد هذه المقدمة نرجع إلى إجابة مختصرة على أسألتك على الترتيب، والله المستعان:
• قولك: هل مجرد الفرح بالزواج، علمًا بأن الإقلاع عن الزنا بالنسبة للمستفتية هو أمر طبيعي ما دامت لم تكن تأتي به إلا مع زوجها الحالي. بمعنى أنها لا تتذكر أنه حصل معها الندم والتوبة في ظل اختلاط مشاعرها بفرحة الزواج والستر. هل من الأحوط تجديد العقد؟
جوابه أنه لا تعارض بين الندم على المعصية والفرح بالزواج؛ لأن الفرح ليس بمعصية الزنا، بل بما أحله الله ورسوله من النكاح المشروع، وحق للتائب أن يفرح بالتوبة، وبما مَنَّ الله به عليه من الانتقال من الحرام إلى الحلال، { قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ } [يونس: 58]، فالجهة منفكة: الندم على المعصية، والفرح بالطاعة، وعند انفكاك الجهة لا وجه للقول بالتعارض.
• قولك: هناك من قاما فعلًا بتجديد عقدهما، معتبرين انصلاح الأحوال بعد الزواج كافيًا لحصول التوبة. فهل هذا التجديد صحيح؟ أم يجب إعادة التجديد مع التذكير بشروط التوبة كاملة؟
وجوابه هذا التجديد صحيح، ولا ينبغي أن تختلف الكلمة بعد إبرام العقد في عدم وجوب تجديده، سواء اعتبر ذلك توبة أم لم يعتبر.
• قولك: هناك من أتما عقدهما قبل الاستبراء، وفي المذهب المالكي يفسخ هذا الزواج تأبيدًا. وللأمانة، لم يصلنا أن أحد علماء بلدنا وهم مالكيون، يفتون بهذا؛ لأن فيه مشقة وحرجًا شديدين على الناس، بل يفتون بتجديد العقد بعد انتظار ثلاث حيضات. وهنا نجد الكثير من الاختلافات والإشكالات التي نتمنى رأيكم فيها لما لمسناه فيكم من رجاحة الرأي: ألا يكفي تجديد العقد فقط دون انتظار أية حيضة، أم ما دمنا نشترط الاستبراء بثلاث حيض في بداية العقد؛ فقد وجب تجديد العقد بنفس الشرط؟
وجوابه أن أهل العلم قد اختلفوا في وجوب العدة من الزنا ابتداء:
– فذهب الحنفية(8) والشافعية(9) إلى أنه لا عدة من الزنا؛ لأن ماء الزنا لا حرمة له، وعليه فيجوز العقد على الزانية قبل وضع حملها.
– وذهب المالكية(10) والحنابلة(11) إلى أن العدة واجبة على الزانية كغير الزانية، وفي قول عندهم أنها تسبرئ بحيضة، وبناء على ما ذهبوا إليه فلا يجوز العقد على الزانية قبل انقضاء العدة من الزنا.
وإذا كان في الأمر سعة من حيث النظر الفقهي على هذا النحو فينبغي أن نفرق بين وضعين:
من جاء يستفتي قبل إجراء العقد فيوجه إلى العدة، أخذًا بالاحتياط وخروجًا من الخلاف، أما من جاء يستفتي بعده فلا حرج في التوسعة عليه وإفتائه بمذهب من أجاز؛ رفعًا للحرج واستقرارًا للأوضاع الأسرية وتصحيحًا للعقود ما أمكن.
وإذا كان هذا الرجل قد دخل بزوجته بالفعل وأنجب منها أطفالًا فما وجه القول بوجوب الاستبراء؟ ويستبرئ من ماذا؟ سؤال حائر إلا إذا قلنا: إن علة الأمر تعبدية بحتة.
• قولك: هناك من أفتى بتجديد عقده بعد التحقُّق من الثلاث حيضات. وحين كان يستفتي كانت زوجته حائضًا، فقيل له أن يحتسبها حيضة أولى، وأن يزيد عليها اثنتين، كما أنه يستطيع البقاء مع زوجته وأطفاله، وهم دون سن العاشرة، في البيت؛ حتى تجديد العقد. ألا يضر أي من الأمرين بتجديد العقد؟
حين يستفتينا من تساوره شكوك حول تجديد عقدِه قبل أن تطهر زوجته كليًّا من الحيضة الثالثة، هل نبني على اليقين وعلى قول الزوجة، وبالتالي نعتبر التجديد صحيحا شرعا؟ أم ننصح بإعادة التجديد، مع ما في ذلك من مشقة إضافية؟
وجوابه متضمن في الجواب السابق، ولا يزال السؤال الحائر يستبرئ من ماذا؟! وقد أقام مع زوجته سنوات وسنوات، وأنجب منها البنين والبنات. والله تعالى أعلى وأعلم.

_________________

(1) جاء في «كشاف القناع» (5/83) من كتب الحنابلة: قوله: ((أو) زنى (رجل قبل الدخول) بزوجته (أو بعده لم ينفسخ النكاح) بالزنا لأنه معصية لا تخرج عن الإسلام أشبه السرقة لكن لا يطؤها حتى تعتد إذا كانت هي الزانية).

(2) جاء في «البحر الرائق» (3/114) من كتب الحنفية ، قوله: ((أو زنا) أي حل نكاح الموطوءة بزنا حتى لو رأى امرأة تزني فتزوجها جاز وله أن يطأها خلافا لمحمد والوجه من الجانبين ما بيناه في الأمة الموطوءة وهذا صريح بأن نكاح الزانية وهذا صريح بأن نكاح الزانية يجوز، وكذا نكاح الزاني).

(3) وجاء في «حاشية الدسوقي» (2/220) من كتب المالكية (ولا يقال إن قوله تعالى {والزانية لا ينكحها إلا زان} يفيد حرمة نكاحها لأنا نقول المراد لا ينكحها في حال زناها أو أنه بيان للأليق بها أو أن الآية منسوخة).

(4) وجاء في «المجموع» (16/219) من كتب الشافعية (وإن زنى بامرأة لم يحرم عليه نكاحها لقوله تعالى (وأحل لكم ما وراء ذلكم).

(5) أخرجه أبو داود في كتاب «النكاح» باب «في قوله تعالى:  حديث (2052) ، والحاكم في «مستدركه» (2/180) حديث (2700) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وقال: «حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه».

(6) أخرجه ابن أبي شيبة في «مصنفه» (3/529) حديث (16796).

(7) انظر: «الشرح الكبير» لابن قدامة (20/ 337).

(8) جاء في «بدائع الصنائع» (16/242) من كتب الحنفية (ولا عدة على الزانية حاملا كانت أو غير حامل؛ لأن الزنا لا يتعلق به ثبوت النسب).

(9) جاء في «المجموع» (16/242) من كتب الشافعية (إذا زنت المرأة لم يجب عليها العدة، سواء كانت حائلا أو حاملا، فإن كانت حائلا جاز للزاني ولغيره عقد النكاح عليها وإن حملت من الزنا فيكره. نكاحها قبل وضع الحمل).

(10) جاء في «التاج والإكليل» (4/167) من كتب المالكية (وأما الحرة الزانية أو المغتصبة فلا يحل لها أن تتزوج ولا لزوجها أن يطأها حتى ينقضي استبراؤها بثلاث حيض).

(11) جاء في «المغني» (7/515) من كتب الحنابلة (وإذا زنت المرأة لم يحل لمن يعلم ذلك نكاحها إلا بشرطين أحدهما : انقضاء عدتها فإن حملت من الزنا فقضاء عدتها بوضعه ولا يحل نكاحها قبل وضعه).
وجاء في «الإنصاف» (9/217) من كتب الحنابلة (وعنه تستبرأ الزانية بحيضة كأمة غير مزوجة وعنه بثلاث).

تاريخ النشر : 26 ديسمبر, 2017
التصنيفات الموضوعية:   05 النكاح, 12 فتاوى المرأة المسلمة

فتاوى ذات صلة:

Send this to a friend