الدعاء على الزوجة لهجرها البيت

فضيلة الشيخ، لقد حدث شجار بيني وبين زوجتي في آخر أيام رمضان؛ لأنني كنت أترك البيت كثيرًا وأذهب إلى الصلاة، سواء القيام أو التهجد، ويعلم الله أنني كنت في أوقات الاستراحات أخرج من المسجد مسرعًا وهو لا يبعد سوى خمس دقائق من منزلي كي أقوم بتلبية أي مطالب لهم.
وكان تشاجرها معي بحجة أنني لا أحمل المسئولية معها، حيث إننا لدينا فتاة عمرها سنة ونصف تقريبًا، ورزقنا الله بمولود منذ شهر ونصف، وهي تريدني أن أجلس بالفتاة؛ لأنها دائمة البكاء في أثناء بكاء الطفل أيضًا، ولكن الأيام العشر الأخيرة من رمضان كان الفرد يبتغي فيها فضل الله، خاصة أن فيها ليلة القدر.
وفي آخر يوم تشاجرنا، وكنت لا أرد على كلامها وصوتها العالي، وأجلس أستغفر الله وأستعيذ به من الشيطان الرجيم، لدرجة أني قمت دخلت في الصلاة كي تتركني وشأني، فقامت بضربي بذراعيها الاثنتين وأنا أصلي فتحركت من مكاني، فأكملت الصلاة وقمت وأنا أنتوي ضربها، ولكن خرجتُ من البيت وذهبت للمسجد درءًا للفتنة.
وفي اليوم الثاني لملمت ملابسي وانتويت الذهاب لأي مسجد أعتكف به وأبتعد عنها نهائيًّا، ولكني عدت بعد الإفطار لأجدها قد لملمت ملابسها وملابس الأولاد واعتزمت الذهاب لبيت أهلها، وطلبَتْ مني توصيلَها. فكظمتُ غيظي وقلت: اتركها تذهب؛ عسى أن أكمل الشهر الكريم في هدوء وأتفرغ لصلواتي وعباداتي.
وبكيت لله -عز وجل- في تهجدي وسجودي، وحينما قمت من السجود وجدت الإمام يقرأ قول الله ﴿أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَه﴾ [الزمر: 36]، وهنا بكيت بكاءً مريرًا، وعلمت أن الله معي يسمعني.
وبالفعل أوصلتها لبيت أهلها ومضيت وأنا في قمة غضبي، وأتى العيد ولم ترجع للبيت، وأمضيت العيد وحدي بدون زوجتي وأبنائي، واستمر هجرها حتى يوم الخميس الماضي، وجدتها عادت هي وأبنائي، ومعها أمها، عادت لتأخذ بعض ملابس لها؛ لأنها ستطيل الجلوس في بيت أهلها، وغادرت المنزل في اليوم التالي.
وأنا في كل يوم وليلة حين أصبح وقبل أن أنام أقول: حسبي الله ونعم الوكيل فيها وفي أهلها الذين يقوونها عليَّ ويساعدونها على هجر بيتها. وأقول: اللهم إني أشهدك وأشهد ملائكتك وحملة عرشك أني غاضب وساخط عليها ليوم الدين ولن أسامحها أبدًا ما حييت على هذا الموقف.

 

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه؛ أما بعد:
فإن كان الأمر كما تقول فلا شك أن زوجتك في أمسِّ الحاجة إلى النصح والتوجيه، ولا يكتفى في مثل ذلك بكظم الغيظ والدعاء على الظالم عن بُعد، فهذا إن ساغ مع الغرباء فلا يسوغ مثله مع الزوجة رفيقة العمر وشريكة الحياة، فهي زوجتك وأم أولادك، وإن استُجيب لك فيها فإن ما يُصيبها من سوء ستلحقك بعض آثاره، وستلحق آثاره أولادك كذلك، فأنت كمن يدعو على نفسه وعلى أولاده. ورحم الله القائل:

  • فَإِن أَكُ قَد بَرَدتُ بِهِم غَليلي
  •  فَلَم أَقطَع بِهِم إِلَّا بَناني(1)

 

وإنما الحل أيها الموفق هو السعي في إصلاح ذات البين من خلال توسيط بعض الصالحين ممن يتمتعون بالقبول من الطرفين، أو من خلال التحكيم الذي أشار الله جل وعلا إليه في قوله تعالى: ﴿وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا﴾ [النساء: 35].
وبهذا تعود الأمور إلى نصابها، وتمضي في فلكها الصحيح، وبدلًا من الدعاء على زوجك وأم ولدك ادع الله لها بصلاح الحال، وبأن ينظر الله إلى كليكما نظرة يرحمكا ويرحم أولادكما بها، والله يا بني أهل التقوى وأهل المغفرة(2)، وهو أكرم من سُئل وأرأف من ملك. والله تعالى أعلى وأعلم.

____________________

(1) هذا البيت لقيس بن زهير؛ شاعر جاهلي، وهو من بحر الوافر.

(2) قال تعالى: ﴿وَمَا يَذْكُرُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ هُوَ أَهْلُ التَّقْوَى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ﴾ [المدثر: 56].

تاريخ النشر : 26 ديسمبر, 2017
التصنيفات الموضوعية:   05 النكاح, 12 فتاوى المرأة المسلمة

فتاوى ذات صلة:

Send this to a friend