استرداد الخاطب هداياه عند فسخه الخطوبة

خطبتُ منذ حوالي شهر، ورأيت ما يُضايقني من تصرُّفات خطيبتي فواجهتها وواجهت أهلها بما تفعل وأنا لا أُطيقه وهو مخالفٌ لشرع الله، وهو بإيجازٍ: الاختلاط بأبناء العمِّ بصورةٍ لا تليق شرعًا. فأفادني أهلها وخطيبتي أن هذا شيءٌ عادي لديهم، وبعد معاناة واجهتها لديهم فسختُ الخطبة.
وسؤالي هو: اشتريتُ شبكةً لخطيبتي من إجمالي الشبكة الـمُتَّفق عليها والتي ستُكتب في القائمة الخاصَّة بها، وأعطيت أهلها ألف جنيه وهو عرفٌ لدينا لربط أمر الزَّواج، وقد أرسلت إليهم لآخذ حاجتي وذلك لعدم إتمام الزَّواج فأفادوني بأنه مَن ترك لا يَحِقُّ له أَخْذ أيِّ شيءٍ. فما الوضع الشَّرعي في ذلك؟
سؤالٌ آخر للمعرفة: هل فَسْخ الخطوبة: سواء بأسباب من الرَّجُل أو المرأة متوقِّف عليه ردُّ الشبكة والمال أم لا؟ برجاء الإفادة تفصيلًا وجزاكم اللهُ خيرًا.

 

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه و من والاه؛ أما بعد:
فقد اختلف أهلُ العلم في ردِّ الهدايا عند فَسْخ الخطوبة: فذهبتِ الحنفيَّة(1) إلى ردِّها إذا كانت قائمةً، أي ما لم تهلك أو تُستهلك. وذهب الشَّافعيَّة(2) إلى وجوب ردِّها وإن هلكت أو استُهلكت؛ فإن كانت قائمةً رُدَّ عينُها، وإن هلكت أو استهلكت رُدَّت قيمتها. وفرَّق المالكيَّة(3) بين ما إذا كان العدول عن الخطبة من قِبَل الخاطب أو من قبل المخطوبة: فإن كان العدول من قبل الخاطب ترك هداياه حتى لا يكسر قلب المخطوبة مرَّتين، وإن كان العدول من قبل المخطوبة رَدَّت الهدايا لخاطبها حتى لا تكسر قلبه مرتين.
واتَّفق الجميعُ على أن ما عجَّل دَفْعه من المهر يُشرع استردادُه، ومثله في مشروعيَّة الاسترداد الهدايا الثمينة التي يُلحقها العرف بالمهر، ولعل الشَّبكة من هذا النَّوع فيُشرع استردادها في جميع الأحوال. واللهُ تعالى أعلى وأعلم.

____________________

(1) جاء في «حاشية ابن عابدين» من كتب الحنفية (3/154-155): «خطب امرأة وأنفق عليها وعلمت أنه ينفق ليتزوجها فتزوجت غيره، فأجاب بأنه يرجع، واستشهد له بكلام قاضي خان المذكور وغيره وقال إنه ظاهر الوجه فلا ينبغي أن يعدل عنه. ا هـ. [ تنبيه ] أفاد ما في الخيرية حيث استشهد على مسألة المخطوبة بعبارة الخانية أن الخلاف الجاري هنا جار في مسألة المخطوبة المارة وأن ما مر فيها من أن له استرداد القائم دون الهالك والمستهلك خاص بالهدية دون النفقة والكسوة، إذ لا شك أن المعتدة مخطوبة أيضا، ولا تأثير لكونها معتدة يحرم التصريح بخطبتها، بل التأثير للشرط وعدمه، وكونه شرطا فاسدا، وكون ذلك رشوة كما علمته من تعليل الأقوال. وعلى هذا فما يقع في قرى دمشق من أن الرجل يخطب المرأة ويصير يكسوها ويهدي إليها في الأعياد ويعطيها دراهم للنفقة والمهر إلى أن يكمل لها المهر فيعقد عليها ليلة الزفاف، فإذا أبت أن تتزوجه ينبغي أن يرجع عليها بغير الهدية الهالكة على الأقوال الأربعة المارة لأن ذلك مشروط بالتزوج كما حققه قاضي خان فيما مر».

(2) جاء في «تحفة المحتاج» من كتب الشافعية (7/421-422): «(فرع) خطب امرأة ثم أرسل أو دفع بلا لفظ إليها مالًا قبل العقد أي ولم يقصد التبرع ثم وقع الإعراض منها أو منه- رجع بما وصلها منه كما أفاده كلام البغوي واعتمده الأذرعي ونقله الزركشي وغيره عن الرافعي، أي اقتضاء يقرب من الصريح، وعبارة قواعده خطب امرأة فأجابته فحمل إليهم هدية ثم لم ينكحها رجع بما ساقه إليها لأنه ساقه بناء على إنكاحه ولم يحصل ذكره الرافعي في الصداق وعجيب ممن ينقل ذلك عن فتاوى ابن رزين أي وقد بان أن لا عجب لأن ابن رزين ذكره صريحا والرافعي اقتضاء كما تقرر ثم قال ولا فرق بين كون المهدى من جنس الصداق أو من غير جنسه انتهت ملخصة».

(3) جاء في «حاشية الدسوقي» من كتب المالكية (2/219-220): «(و) جاز (الإهداء) في العدة لا النفقة عليها فإن أهدى أو أنفق، ثم تزوجت غيره لم يرجع عليها بشيء ومثل المعتدة غيرها، ولو كان الرجوع من جهتها، والأوجه الرجوع عليها إذا كان الامتناع من جهتها إلا لعرف أو شرط».
وجاء في «منح الجليل» من كتب المالكية (3/263-265): «فإن أهدى أو أنفق عليها ثم تزوجت غيره فلا يرجع عليها بشيء قاله أبو الحسن وتت. وفي التوضيح أن غير المعتدة مثلها. وذكر اللقاني عن البيان أن ذلك إذا كان الإعراض منه، فإن أعرضت عنه فيرجع عليها لأن الذي أعطى لأجله لم يتم له، وفي المعيار: للرجل الرجوع بما أنفق على المرأة أو بما أعطى في اختلاعها من الزوج الأول إذا جاء التعذر والامتناع من قِبَلها لأن الذي أعطى من أجلِه لم يثبت له، وإن كان التعذر من قبله فلا رجوع له عليها لأن التمكينَ كالاستيفاء. ا هـ. ولعل هذا كله إن لم يكن شرط ولا عرف بالرجوع وإلا عمل به اتفاقا».

تاريخ النشر : 26 ديسمبر, 2017
التصنيفات الموضوعية:   05 النكاح, 12 فتاوى المرأة المسلمة

فتاوى ذات صلة:

Send this to a friend