قتل العامة لبعض الشيعة والتمثيل بهم

شيخنا الحبيب، أدعو الله أن تكون في أتمِّ صحة و عافية.
السؤال بخصوص الشيعة و خاصة ما حدث في مصر مؤخرًا من قتل أربعة منهم.
ما حكم الشيعة بالإجماع؟ هل يجوز تكفيرهم بالإجماع؟ هل نكفر أعيانًا منهم؟ علماءهم مثلًا، في نقاش مع مؤيِّد لما حدث في مصر .. قال: إن حكم الشرع فيهم هو القتل، و تنفيذ حكم الشرع هو فرض عين على وليِّ الأمر ، فان لم ينفذه أصبحَ فرض كفاية علي جميع المسلمين، ووجب عليهم تنفيذه. ما مدى صحة هذا الكلام؟ وكيف نرد عليه؟ جزاك الله عنا خير الجزاء، و نفع بكم.

 

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه؛ أما بعد:
فإن الشيعة فرقة من فرق أهل القبلة، المخالفين لأهل السنة في أصول كلية في الدين، كقولهم في الإمامة، وموقفهم من الصحابة عامة، والعشرة المبشرين بالجنة منهم بصورة خاصة، والشيخين وأم المؤمنين عائشة بصورة أخص، ولهم شناعات في باب العقائد، لم يبلغها غيرهم من بقية الفرق المخالفة للسنة.
أما عن حكمهم فالصواب أنهم ليسوا سواء، فهم أنواع: فمنهم نوع كافر بالإجماع، ومن هؤلاء: الشيعة الإسماعيلية والنصيرية والقرامطة، والغلاة في عليٍّ رضي الله عنه ، المؤلِّـهين له، والمصدقين لحديث الإفك في عائشة ل، أو القائلين بتحريف القرآن ونحوه.
ومنهم نوع ثان غير كافر بالإجماع، ومن هؤلاء: الشيعة المفضِّلة، وهم الذين يفضلون عليًّا على عثمان، أو حتى على الشيخين.
وقسم وقع فيه خلاف بين أهل العلم، ومنهم الرافضة، أي الشيعة الإمامية الإثنا عشرية.
وقد سُئل الشيخ ابن عثيمين: بالنسبة للرافضة هل يعتبرون كفرة؟ وكيف يكون تعامل المسلم معهم لأنهم كثيرًا ما يُظهرون الحقد والبغض لأهل السنة؟ فأجاب:
الرافضة- بارك الله فيك- كغيرهم من أهل البدع، إذا أتَوْا بما يُوجب الكفرَ صاروا كفارًا، وإذا أتَوْا بما يُوجب الفسقَ صاروا فساقًا، وإذا كان لشيء من أقوالهم القريبة من أقوال أهل السنة شيء من النظر، وصار محلَّ اجتهاد فهم فيه كغيرهم، فلا يمكن أن يُجاء بجوابٍ عام ويقال: كل الرافضة كفار، أو كل الرافضة فُساق، لابد من التفصيل، والنظر في بدعتهم، ويجب علينا أن ندعوهم إلى الحق، وأن نبيِّنه لهم، وإذا كنا نعلم من أي فرقة هم فعلينا أن نبيِّن عيبَ هذه الفرقة، ولا نيأس، فإن القلوب بين إصبعين من أصابع الرحمن عز وجل(1).

ربما يهديهم الله على أيدينا، فيحصل لنا خيرٌ كثير، والإنسانُ الذي يهتدي بعد أن كان غيرَ مهتد قد تكون فائدتُه للمجتمع أكثرَ وأكبر من الذي كان مهتديًا من الأول، لأنه عرَف الباطل ورجع عنه، وبيَّنه للناس، فيكون بيانُه للناس عن علم.
فما ينسب إليهم من مقالات كُفريَّة أو أفعال كفرية يطلق عليها أنها كفر، لكن تكفير المتلبِّس منهم بشيء من ذلك لابد فيه من توفر شروط التكفير وانتفاء موانعه، اللهم إلا من كانت مخالفته في شيء مما علم من الدين بالضرورة، واستفاض العلم به بين العامة والخاصة، فمن سبَّ أمنا عائشة بما برأها الله منه كان كافرًا لتكذيبه لكتاب الله عز وجل ، ولخروجه على ما أجمعت عليه الأمة قاطبة في شأن الصديقة بنت الصديق أم المؤمنين عائشة حبة رسول الله وزوجته في الجنة، ومثل ذلك من زعم تحريف القرآن ونحوه.

وما حدث مؤخرًا من قتل بعض الشيعة في مصر لا نعرف تفاصيله على وجه التحديد، ولا يجوز إطلاق القول بقتل جميع الشيعة، فإنهم- كما سبق- ليسوا جميعًا بمرتدين حتى نقيم عليهم جميعًا حدَّ الردة، بل إن من أتى منهم بما يُوجب قتله على الردة أو الحرابة ونحوه، فإن المقطوع به أنه لا يجوز الافتيات على الحاكم المسلم في ذلك، فإن إقامة العقوبات الشرعية سواء أكانت قصاصًا أم حدودًا أم تعزيرًا إنما تناط بالسلطان المسلم، ولا يجوز الافتيات عليه في ذلك، وما أشيع من أنه قد وقعت فيهم مثلة أو تحريق ونحوه، فهذا إن صح فهو انتهاك لحدود الله عز وجل ، لا يجوز لأحد أن يفعله حاكمًا كان أو محكومًا، فقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم  عن المثلة(2)، وأخبر أنه لا يعذب بالنار إلا خالقها(3).
ومهما بلغت استفزازات الخارجين على الدين، فلا ينبغي أن نقابل خروجهم بخروج مقابل عن هدي النبي صلى الله عليه وسلم  في معاملة أمثالهم، بل إن صح ما أشيع من المثلة أو التحريق ففاعل ذلك ينبغي أن يعزر تعزيرًا بليغًا يمنعه من الجرأة على مثل ذلك في المستقبل، ويمنع غيره من أن يدور في نفس الفلك. والله تعالى أعلى وأعلم.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) فقد أخرج الترمذي في كتاب «القدر» باب «ما جاء أن القلوب بين أصبعي الرحمن» حديث (2140)، وابن ماجه في كتاب «الدعاء» باب «دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم » حديث (3834) من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه  قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم  يُكثر أن يقول: «يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ». فقلت: يا رسول الله آمنا بك وبما جئت به فهل تخاف علينا؟! قال: «نَعَمْ؛ إِنَّ الْقُلُوبَ بَيْنَ أُصْبُعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ الله يُقَلِّبُهَا كَيْفَ يَشَاءُ»، وقال الترمذي: «حديث حسن».

(2) أخرجه البخاري في كتاب «الذبائح والصيد» باب «ما يكره من الـمُثلة والمصبورة والمجثمة» حديث (5516) من حديث عبد الله بن يزيد بن زيد رضي الله عنه .
(3) فقد أخرج أبو داود في كتاب «الأدب» باب «في قتل الذر» حديث (5268) من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه  قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم  في سفر فانطلق لحاجته فرأينا حمرة معها فرخان فأخذنا فرخيها، فجاءت الحمرة فجعلت تفرش، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم  فقال: «مَنْ فَجَعَ هَذِهِ بِوَلَدِهَا؟ رُدُّوا وَلَدَهَا إِلَيْهَا». ورأى قرية نمل قد حرقناها فقال: «مَنْ حَرَّقَ هَذِهِ؟» قلنا: نحن. قال: «إِنَّهُ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُعَذِّبَ بِالنَّارِ إِلَّا رَبُّ النَّارِ»، وذكره ابن مفلح في «الآداب الشرعية» (3/354) وقال: «إسناده جيد».

تاريخ النشر : 26 ديسمبر, 2017
التصنيفات الموضوعية:   10 متفرقات في العقيدة.

فتاوى ذات صلة:

Send this to a friend