عندما يُذكر العلم وفضلُ تحصيلِه وتعليمه في كثيرٍ من الأحاديث الشريفة، فهل المقصود هو العلم الشَّرْعي فقط، أم كلُّ العلوم بما فيها علوم المعرفة الدنيوية مثل الطب والفيزياء والأحياء؟ مثل حديث: «لَيُصَلُّونَ عَلَى مُعَلِّمِي النَّاسِ الْـخَيْرَ»، وإن لم يكن يشمل اللفظ إلا العلم الشَّرْعي، فهل هناك سبيل في تحصيل الثَّواب مثل استحضار النِّيَّة الصَّالحة في أثناء طلب العلم أو تعليمه؟ حيث إن المرءَ يقضي كثيرًا من وقته في تحصيل هذه العلوم لضرورة العيش والتَّكسُّب، وفي بعض الأحيان يُكمل الدراسات العليا إما لحبِّ العلم أو طلبًا لدرجة وظيفيَّة أعلى أو مكانة اجتماعيَّة، وذلك على مستوى الفرد، ولكن قد يعود هذا النفع على المجتمع بالخير في الدنيا.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه و من والاه؛ أما بعد:
فإن المقصودَ بالعلم في مثل قولِه ﷺ: «طَلَبُ الْعِلْمِ فَرِيضَةٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ»(1)، هو العلم الشَّرْعيُّ الشريف المُوحَى به من السَّماء إلى الأرض، فهذا الذي يتعيَّن طلبه على كلِّ مسلمٍ، خاصَّةً ما تعلَّق منه بفروض الأعيان، أما بقيَّة العلوم النَّافعة فإنها من فروض الكفايات، وقد نصَّ أهلُ العلم على أن تعلُّم أصول الحِرَف والمهن من فروض الكفايات، فهي مع إحسان النِّيَّة في طلبها من القربات كذلك، فمن تعلَّم الطِّبَّ ونوى بذلك أن يتدبَّر آياتِ الله في الأنفس وأن يكفي أُمَّته في تخصُّصه وأن يُحرِّرها من رِبقة الاعتماد على غيرها، فإن طلبَه للطِّبِّ يلتحق بأبواب القربات، وهكذا.
ولا يخفى عليك أيها الحريص على الخير أن العاديَّات تتحوَّل بالنِّيَّات الصَّالحة إلى قربات، فمن احتسب في نومه مبكرًا أن يستعين به على قيام اللَّيْل والتبكير إلى الفجر به كُتب له نومه قُربة، ومثل ذلك من احتسب في طعامه وشرابه أن يتقوَّى به على طاعة ربِّه كُتب له طعامه وشرابه قربة، ومن احتُسب في زواجه أن يستعينَ به على غضِّ بصره وإحصان فرجه وأن يلتمس به الولد الصَّالح الذي يعبد اللهَ ويوحِّده كُتب له زواجُه قربةً، وهكذا.
والنِّيَّات تجارة العلماء، فجدِّد نيَّةً صالحةً بين يدي كلِّ عملٍ تقوم به، وأبشر بالذي يسرُّك من ربِّك جلَّ وعلا. زادَك اللهُ حِرْصًا وتوفيقًا. واللهُ تعالى أعلى وأعلم.
_________________
(1) أخرجه ابن ماجه في مقدمة «سننه» باب «فضل العلماء والحث على طلب العلم» حديث (224) من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه . وحسنه الألباني في «مشكاة المصابيح» حديث (218).