أنا في مشكلة مع أهلي يا دكتور صلاح، أرجو النصيحة بارك الله فيك.
أنا- والحمد لله- مهندس معماري، وأعمل في شركة عالمية والحمد لله مرتبي عالٍ بالنسبة لخريج من سنتين فقط.
والحمد لله منضبط في شغلي، ولكني بعد الانتهاء من العمل أحضر دروس علم كثيرة- والحمد لله- في المسجد، وأقرأ كتبًا في الحديث والفقه، وأحب ذلك جدًّا، ولكن أهلي معترضون على أسلوب حياتي، لأني أضيع وقتًا كثيرًا ليلًا في المسجد كما يعتقدون هم، ومن الممكن أن أعمل ليلًا أيضًا لأني أحيانًا أرفض عمل الليل حتى أواظب على دروس العلم والنوم مبكرًا لقيام الليل وصلاة الفجر.
هل أنا بذلك مخطئ؟ هل يجب التقليل من الجلوس في المسجد ليلًا للعمل، مع العلم أني أعمل صباحًا كما ذكرت لأنهم يقولون لي: إن العمل عبادة، والعمل أهم من دروس العلم وسماع الشيوخ.
ليتك يا دكتور تعطيني النصيحة؛ لأني أثق في رأي حضرتك جدًّا.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه و من والاه؛ أما بعد:
فلا شك أن طلب العلم خيرُ ما أُنفقت فيه أعمار البشر وأموالهم، فهو ميراث النبوة، وعلى قدر حظ الناس منه يكون حظهم من وراثة النبي محمد ﷺ.
ومن ناحية أخرى فإن القيام على الأهل وتوفير ضروراتهم وحاجاتهم مما تعبد الله به الأزواج، بل جعلته السنة شرطًا في مشروعية الزواج، فقال ﷺ: ««يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ، مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمُ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ»»(1).
فإن كنت قائمًا على نفقة أهلك، وتوفر لهم حياة كريمة لا نَصَب فيها ولا معاناة، فإن من حقك أن تدخر فضول أوقاتك لإصلاح آخرتك والتماس ما يقربك إلى الله عز و جل ، ومن ذلك طلب العلم النافع.
فائتمر بينك وبين أهلك في ذلك بمعروف، واصبر على أهلك في ذلك، واجتهد في استصلاح آخرتهم كذلك، واجعل لهم نصيبًا فيما توفره من وقت لطلب العلم، فمتى استشعروا لذة طلبه أعانوك عليه إن شاء الله، زادك الله حرصُا وتوفيقًا. والله تعالى أعلى وأعلم.
_______________
(1) متفق عليه أخرجه البخاري في كتاب «النكاح» باب «من لم يستطع الباءة فليصم» حديث (5066)، ومسلم في كتاب «النكاح» باب «استحباب النكاح لمن تاقت نفسه إليه» حديث (1400) من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه .