هل إذا كنت جاهلًا بشروط صِحَّة الصَّلاة ولم آتِ بها، هل صلاتي صحيحة؟
اللَّجنة الدَّائمة للبحوث العلميَّة والإفتاء تَبَعَ ابنِ بازٍ لا تعذر بالجهل بالسُّجود لغير الله، وقال الصاوي: بل يعذر. أنا أريد إجابةً أجمع عليها كلُّ علماء مجمع فقهاء الشَّريعة بأمريكا؛ لأنها مسألة مهمة.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه و من والاه؛ أما بعد:
فإن حكمَ الخطاب لا يَثبُت في حقِّ الـمُكلَّف إلا إذا بلغه، فقد قال تعالى: ﴿وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ ﴾[الأنعام: 19].
فالقرآن نذيرٌ على مَن بلغه، فاستقبل أمرك بفهم صحيح لشروط الصَّلاة، وأحسن تطبيقها وأرجو أن يغفر الله لك ما سلف منك عن جهالة أو سوء تأويل، وإن أعدت هذه الصلوات أخذًا بالاحتياط وخروجًا من الخلاف فقد أحسنت.
أما العذر بالجهل فتلك يا بني من قضايا الفِتْنة التي أرجو ألا تُكثِر التَّخوُّض فيها، والذي ندين الله تعالى به أن من ثبت له عقد الإسلام لا يزول عنه هذا الحكم إذا تلبَّس ببعض طوارق الشِّرك حتى تُقام عليه الحجَّة الرِّسالية التي يكفر معاندها، ويكون من يقيم عليه الحجَّة أهلًا لذلك.
أما تكفير العوامِّ على هذا النَّحو بالجملة فليس من منهج أهل السُّنَّة في شيءٍ.
وسماحة الشَّيخ ابن باز عالمٌ جليل، بل كان إمامَ عصره ومُقدَّم العُلَماء في زمانه رحمه الله رحمة واسعة وأجزل له المثوبة، وقد اضطرب النَّقل عنه في هذه المسألة، ولكن مواقفه العمليَّة في نصرة قضايا الـمُسلِمين حول العالم بما في ذلك المناطق التي تكثر فيها الجهالات وتسود فيها البدع والخرافات أوضح دليل على أنه لم يكن يعتقد تكفيرهم بالجملة، على النَّحو الذي يُقدِّمه بعض من يتصلَّبون في هذه المسائل تصلُّبًا لا مُبرِّر له.
اشتغل يا بني بما ينفعك(1)، واعلم أن كلَّ مسألة لا ينبني عليها عمل فإن الخوض فيها من التَّكلُّف الذي نُهينا عنه(2)، زادك اللهُ حرصًا وتوفيقًا، واللهُ تعالى أعلى وأعلم.
____________
(1) فقد أخرج مسلم في كتاب «القدر» باب «في الأمر بالقوة وترك العجز والاستعانة» حديث (2664) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: «الْـمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى الله مِنَ الْـمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ وَفِي كُلٍّ خَيْرٌ، احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ وَاسْتَعِنْ بالله وَلَا تَعْجَزْ، وَإِنْ أَصَابَكَ شَيْءٌ فَلَا تَقُلْ: لَوْ أَنِّي فَعَلْتُ كَانَ كَذَا وَكَذَا. وَلَكِنْ قُلْ: قَدَرُ الله وَمَا شَاءَ فَعَلَ. فَإِنَّ (لَوْ) تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ».
(2) فقد أخرج البخاري في كتاب «الاعتصام بالكتاب والسنة» باب «ما يكره من كثرة السؤال وتكلف ما لا يعنيه» حديث (7293) من حديث أنس رضي الله عنه قال: كنا عند عمر فقال: نُهينا عن التَّكلُّف.
وفي الحديث المتفق عليه؛ الذي أخرجه البخاري في كتاب «الاعتصام بالكتاب والسنة» باب «ما يكره من كثرة السؤال وتكلف ما لا يعنيه» حديث (7289)، ومسلم في كتاب «الفضائل» باب «توقيره ﷺ وترك إكثار سؤاله عما لا ضرورة إليه أو لا يتعلق به تكليف وما لا يقع ونحو ذلك» حديث (2358)، من حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه : أن النبي ﷺ قال: «إِنَّ أَعْظَمَ الْـمُسْلِمِينَ جُرْمًا مَنْ سَأَلَ عَنْ شَيْءٍ لَـمْ يُحَرَّمْ فَحُرِّمَ مِنْ أَجْلِ مَسْأَلَتِهِ».