هل يجوز شواءُ اللحم والصيد للمسلم على نفس النار بعد غير المسلم؟ وماذا إذا شُوي عليها أو على الآنية لحمٌ حرامٌ أو صيدُ غيرِ المسلم؟
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه؛ أما بعد:
فالظاهر أنه لا حرَج في ذلك؛ فإن إحراق هذه الفضلات بالنار ستسحيلُ معه إلى مادةٍ أُخرى يختلف حكمُها عن المادة الأصلية التي كانت عند بَدءِ شواء الخنزير في أظهر قولي أهل العلم، وإليك ما ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية في هذه القضية:
«الخنزير المشوي في التَّنُّور هل تُطهِّرُ النار ما لصق به أم يحتاج إلى غسلِ ما أصابه منه؟ على روايتين منصوصتين: أحدهما: هي نجسة. وهذا مذهبُ الشافعي. وأكثر أصحاب أحمد، وأحد قولي أصحاب مالك.وهؤلاء يقولون: لا يطهر من النجاسة بالاستحالة إلا الخمرةُ المنتقلةُ بنفسها، والجلد المدبوغ إذا قيل: إنَّ الدبغَ إحالةٌ لا إزالة.
والقول الثاني: وهو مذهب أبي حنيفة، وأحد قولي المالكية، وغيرهم: أنها لا تبقى نجسة. وهذا هو الصواب.
فإن هذه الأعيان لم يتناولها نصُّ التحريم لا لفظًا ولا معنًى، وليست في معنى النصوص، بل هي أعيانٌ طيِّبة فيتناولها نصُّ التحليل وهي أولى بذلك من الخمر المنقلبة بنفسها، وما ذكروه من الفرق بأن الخمر نجست بالاستحالة فتطهر بالاستحالة باطلٌ، فإن جميع النجاسات إنما نجست بالاستحالة: كالدم فإنه مستحيل عن الغذاء الطاهر، وكذلك البول والعَذْرَة، حتى الحيوان النجس مستحيل عن الماء والتراب ونحوهما من الطاهرات.
ولا ينبغي أن يعبر عن ذلك بأن النجاسة طهرت بالاستحالة، فإن نفس النجس لم يطهر لكن استحالَ، وهذا الطاهر ليس هو ذلك النَّجس، وإن كان مستحيلًا منه، والمادة واحدة، كما أن الماء ليس هو الزرعَ والهواءَ والحَبَّ، وترابُ المقبرة ليس هو الميت، والإنسانُ ليس هو المني.
والله تعالى يخلق أجسامَ العالم بعضَها من بعض، ويُحِيل بعضَها إلى بعض، وهي تبدل مع الحقائق ليس هذا هذا. فكيف يكون الرمادُ هو العظمَ الميت واللحمَ والدم نفسه؟! بمعنى أنه يتناوله اسم العظم، وأما كونه هو هو باعتبار الأصل والمادة فهذا لا يضر فإن التحريم يتبع الاسم والمعنى الذي هو الخبث وكلاهما منتف.
وعلى هذا فدُخان النار الموقدة بالنجاسةِ طاهرٌ، وبخار الماء النجس الذي يجتمع في السقف طاهرٌ وأمثال ذلك من المسائل، وإذا كان كذلك فهذا الفَّخار طاهرٌ إذ ليس فيه من النجاسة شيء. وإن قيل: إنه خالطه من دخانها خرج على القولين والصحيح أنه طاهر»(1). والله تعالى أعلى وأعلم.
_______________
(1) «مجموع الفتاوى» (21/610- 613).