ذهب أكثر أهل العِلْم إلى أن القول الرَّاجح فيمن أفطر عمدًا بالأكل أو الشَّرب في نهار رمضان يجب عليه فقط القضاء، وأن الكفَّارة خاصَّة بالجماع فقط، ومن بين أدلَّتهم قالوا: لا يجوز قياس الجماع بالأكل أو غيره، لماذا لا يجوز القياس بالجماع على غيره، وما أدلتهم على ذلك؟ وبارك اللهُ فيكم.
على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أمَّا بعد:
فقد وقع خلافٌ بين أهل العِلْم في وجوب الكفَّارة على من أفطر عامدًا بالطَّعام أو الشَّراب في نهار رمضان، فالشَّافعيَّة والحنابلة على عدم وجوب الكفَّارة إلا بالجماع؛ لأن الجماع هو مناط الكفَّارة في النَّصِّ المُوجِب لذلك(1)، والمالكيَّة والأحناف على وجوب الكفَّارة في الفطر المتعمَّد، سواء أكان ذلك بطعام أم بشراب أم بجماع، لاستواء هذه الثَّلاثة في الحرمة، فكما وجبت الكفَّارة بالجماع وجبت في غيره، والمسألة كما ترى في موضع الاجتهاد، ولعلَّ الأقربَ إلى مقاصد الشَّرع قصر وجوب الكفَّارة على الفطر بالجماع. واللهُ تعالى أعلى وأعلم.
_________________
(1) ففي الحديث المتفق عليه؛ الذي أخرجه البخاري في كتاب «الصوم» باب «إذا جامع في رمضان ولم يكن له شيء فتصدق» حديث (1936)، ومسلم في كتاب «الصيام» باب «تغليظ تحريم الجماع في نهار رمضان على الصائم» حديث (1111)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: بينما نحن جلوسٌ عند النَّبيِّ? إذ جاءه رجلٌ فقال: يا رسول الله هلكت. قال: «مَا لَكَ؟» قال: وقعت على امرأتي وأنا صائمٌ. فقال رسول الله ﷺ : «هَلْ تَجِدُ رَقَبَةً تُعْتِقُهَا؟» قال: لا. قال: «فَهَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تَصُومَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ؟» قال: لا. فقال: «فَهَلْ تَجِدُ إِطْعَامَ سِتِّينَ مِسْكِينًا؟» قال: لا. قال: فمكث النَّبيُّ ﷺ، فبينا نحن على ذلك أُتِيَ النَّبيُّ ﷺ بعَرَقٍ فيها تمرٌ- والعرق: المكتل- قال: «أَيْنَ السَّائِلُ؟» فقال: أنا. قال: «خُذْهَا فَتَصَدَّقْ بِهِ» فقال الرَّجلُ: أعلى أفقرَ منِّي يا رسول الله؟! فوالله ما بين لابتيها- يريد الحرَّتين- (أي: المدينة) أهلُ بيتٍ أفقرُ من أهل بيتي. فضحك النَّبيُّ ﷺ حتَّى بدت أنيابُه ثمَّ قال: «أَطْعِمْهُ أَهْلَكَ».