جئت إلى هذا البلد للعلاج، وكنت عندما أسافر وأنا صحيح أقصر الصلاة ثلاثة أيام أو أربعة، ثم أتم الصلاة لعدم حبي للقصر، دخلت المستشفى خمسة عشر يومًا ولم أوفَّق لإقامة الصلاة هذه الأيام؛ نظرًا للنجاسة وأنا نائم بالسرير، خرجت من المستشفى وعوَّضت كل صلاة مع الأخرى ولكن بطريقة القصر، فما حكم تصرفي على هذا النحو؟ وهل يلزمني إخراج كفارة مالية عن هذه الأيام التي تركت فيها الصلاة؟
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه و من والاه؛ أما بعد:
فأسأل الله أن يمسح عليك بيمينه الشافية، وأن يجمع لك بين الأجر والعافية، اللهم آمين.
واعلم أن من توسعة الشريعة على المريض أن أجازت له الجمع في الصلاة، فيشرع له أن يجمع بين الظهر والعصر، أو بين المغرب والعشاء، سواء أكان مسافرًا أم كان مقيمًا، فالحمد لله على رحمته بعباده وتوسعته عليهم.
ونود أن ننبه إلى أن الصلاة لا تسقط عن المريض بحال من الأحوال، فلا يحل له أن يترك الصلاة على النحو الذي جاء في السؤال، ولا يقبل منه أن يعتذر بوجود نجاسة على ثيابه لا يقدر على إزالتها، بل إن عجز عن إزالتها صلى بها وتجزئ صلاته؛ لقوله تعالى: ﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ﴾ [التغابن: 16].
فإزالة النجاسة عن محمول المصلي وبدنه إنما تجب مع الذكر والقدرة، فمن كان ناسيًا للنجاسة أو ذاكرًا لها ولكنه عجز عن إزالتها فصلاته بها صلاة صحيحة مجزئة ولا تلزمه الإعادة.
أما بالنسبة للتمتع برخص السفر فإنها تشرع للمصلي ما دام لم يجمع نية الإقامة أكثر من أربعة أيام فصاعدًا عند جماهير أهل العلم، ولا يُحسَب من هذه الأيام يوم القدوم ولا يوم الرحيل، فمن أجمع إقامة هذه الأيام ورتَّب لذلك من البداية فقد انقطع عنه حكم السفر فلا يجمع ولا يقصر، أما من نوى الإقامة أقل من ذلك فإن له أن يتمتع برخص السفر جمعًا وقصرًا، ومثل ذلك من لم ينوِ إقامة مدة بعينها، بل كان مرتبطًا بقضاء غرض من الأغراض لا يدري متى ينتهي، ولكنه متى ما انتهى منه بادر إلى الرحيل؛ فإنه لا يزال يتمتع برخص السفر ولو بقي في سفره بضعة أشهر.
واعلم أيها الأخ الكريم، أن القصر سُنة ثابتة وأن الجمع رخصة عارضة، فالأصل في المسافر أن يقصر الصلاة، والقصر بالنسبة له أولى من الإتمام، إلا إذا ائتم بإمام مقيم فإنه يتم وراءه حتمًا، أما الجمع فإنه رخصة عارضة يستخدمها عند الحاجة إليها، وقد ذكرت الفرق بين القصر والجمع تعقيبًا على قولك أنك لا تحب قصر الصلاة، فنقول: بل السُّنة للمسافر أن يحب القصر، وأن يفضله على الإتمام استنانًا بصاحب الرسالة بأبي هو وأمي صلى الله عليه وسلم ، وهو صدقة تصدق الله بها علينا فينبغي أن نقبل صدقته، أما الجمع فإنه رخصة يستخدمها عند الحاجة.
وعلى هذا فإن كنت قد نويت إقامة مدة طويلة من البداية ينقطع بها حكم السفر، فإن قضاءك لما فاتك من صلاة يكون إتمامًا ولا يكون قصرًا، فكل ما قضيته قصرًا أعِدْه إتمامًا، بارك الله فيك، وأذهب عنك البأس، وأقرَّ عينك بشفاء عاجل قريب.
أما ما سألت عنه من كفارة أو صدقة بسبب ترك الصلاة أو تأخيرها هذه المدة؛ فنفيد بأن الفدية إنما يأتي الحديث عنها في باب الصيام وليس في باب الصلاة، ولكن الصدقة بصفة عامة مشروعة، وهي من الحسنات التي تُذهِب السيئات(1)، وصدقة السِّر تطفئ غضب الرب كما أخبر بذلك المعصوم صلى الله عليه وسلم (2). ولكن هذه الأحكام عامة، فليس لها ارتباط خاص بقضية ترك الصلاة أو تأخيرها، بارك الله فيك، وردَّك سالمًا غانمًا صحيحًا مُعافًى بإذن الله. والله تعالى أعلى وأعلم.
ــــــــــــــــــــــ
(1) قال تعالى: ﴿إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ﴾ [هود: 114].
(2) فقد أخرج الطبراني في «الكبير» (8/261) حديث (8014) من حديث أبي أمامة رضي الله عنه : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «صَنَائِعُ الْـمَعْرُوفِ تَقِي مَصَارِعَ السُّوءِ، وَصَدَقَةُ السِّرِّ تُطْفِئُ غَضَبَ الرَّبِّ، وَصِلَةُ الرَّحِمِ تَزِيدُ فِي الْعُمُرِ»، وذكره الهيثمي في «مجمع الزوائد» (3/115) وقال: «رواه الطبراني في الكبير وإسناده حسن».