كنت في صدد تدريس التوحيد فسألني أحد الطلاب عن قول السائل: أعطي بالله ورسوله، وقول المعطي: أعطيت لله ورسوله، فقلت له: لا يجوز. فقال لي: جاء في حديث كعب بن مالك الطويل الوارد في رياض الصالحين أنه- أي كعب بن مالك – قال لرسول الله لما أخبره بتوبة الله عليه وعلى صاحبيه، قال: يَا رَسُولَ الله إِنَّ مِنْ تَوْبَتِي أَنْ أَنْخَلِعَ مِنْ مَالِي إِلَى الله وَإِلَى رَسُولِه(1). فما حكم السؤال بوجه الله تعالى؟
____________
(1) متفق عليه أخرجه البخاري في كتاب «المغازي» باب «حديث كعب بن مالك» حديث (4418)، ومسلم في كتاب «التوبة» باب «حديث توبة كعب بن مالك وصاحبيه» حديث (2769)
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
أولًا: حول السؤال بالله عز وجل ، لقد ورد أنه لا يسأل بوجه الله إلا الجنة، وقد ضعف المحدثون هذا الحديث، وعلى فرض ثبوته فقد اختلف أهل العلم في المراد منه على قولين:
القول الأول: أن المراد: لا تسألوا أحدًا من المخلوقين بوجه الله؛ فإذا أردت أن تسأل أحدًا من المخلوقين فلا تسأله بوجه الله؛ لأنه لا يسأل بوجه الله إلا الجنة.
والخلق لا يقدرون على إعطاء الجنة، فإذًا لا يسألون بوجه الله مطلقًا، لكن من سُئل بوجه الله فينبغي أن يجيب سائله لما ورد من قوله صلى الله عليه وسلم : «مَلْعُونٌ مَنْ سَأَلَ بِوَجْهِ الله، وَمَلْعُونٌ مَنْ سُئِلَ بِوَجْهِ الله ثُمَّ مَنَعَ سَائِلَهُ مَا لَـمْ يَسْأَلْ هُجْرًا»(2).
القول الثاني: أنك إذا سألت الله، فإن سألت الله الجنة وما يستلزم دخولها فلا حرج أن تسأل بوجه الله، وإن سألت شيئًا من أمور الدنيا فلا تسأله بوجه الله؛ لأن وجه الله أعظم من أن يسأل به لشيء من أمور الدنيا. فأمور الآخرة تسأل بوجه الله كقولك مثلًا: أسألك بوجهك أن تنجيني من النار، والنبي صلى الله عليه وسلم استعاذ بوجه الله: لما نزل قوله تعالى: ﴿أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ﴾ [الأنعام: 65]. قال: «هَذِهِ أَهْوَنُ، أَوْ أَيْسَرُ»(3).
ولو قيل: إنه يحتمل المعنيين لكان له وجه، وذكر الجنة إنما هو للتنبيه به على الأمور العظام لا للتخصيص؛ فلا يسأل الله بوجهه في الأمور الدنيئة، بخلاف الأمور العظام تحصيلًا أو دفعًا كما يشير إليه استعاذة النبي صلى الله عليه وسلم .
فلا ينبغي إذن أن يسأل بوجه الله إلا الجنة وما يستلزم دخولها، فينبغي أن ينبه السائل إلى ذلك.
ثانيًا: حول العطاء لله ورسوله من حيث التوحيد والشرك:
يقال: هذا تعبير مجمل؛ فإن قصد به طاعة لله ورسوله، وعليه يحمل قول كعب بن مالك، وهذا هو المتبادر عند الإطلاق، أما إن قصد به التشريك في التوجه والتنسك فذلك الشرك الذي ينبغي أن يحذر منه، وأن ينبه عليه، وإن كان إرادة هذا المعنى مستبعدة. والله تعالى أعلى وأعلم.
ــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) أخرجه الطبراني في «الكبير» (22/377) حديث (943) عن أبي عبيد مولى رفاعة بن رافع رضي الله عنه ، وذكره الهيثمي في «مجمع الزوائد» (10/153) وقال: «رواه الطبراني عن شيخه يحيى بن عثمان بن صالح وهو ثقة وفيه ضعف، وبقية رجاله رجال الصحيح»، قال العراقي: إسناده حسن. وقد حسنه أيضًا العلامة الألباني في «صحيح الترغيب» (851، 853).
(2) أخرجه البخاري في كتاب «تفسير القرآن» باب «﴿قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ﴾» حديث (4628) من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه .