تقول السائلة: ائتمنني شخص على سرٍّ ما، وطلب مني عدم البوح به أبدًا، لكن السر يضرُّ بالشخص ضررًا بالغًا إن لم أخبر به أحدًا. فماذا تنصحوني؟ وجزاكم الله خيرًا.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه؛ أما بعد:
فإن السر يا بنيتي أمانة لدى من استُودِعَه، ولا يجوز له البوح له إلا في حالات خاصة، كما لو أدى كتمانه إلى ضررٍ يفوق ضررَ إفشائه بالنسبة لصاحبه، أو يكون في إفشائه مصلحة ترجح على مضرة كتمانه، وقد فصل القول في ذلك مجمع الفقه الإسلامي الدولي المنعقد في دورة مؤتمره الثامن حيث أصدر قرارًا مفصلًا حول هذه القضية أسوقه لك بنصه تتميمًا للفائدة ومنه يُعلَم الجوابُ:
أولًا: السر هو ما يُفضي به الإنسان إلى آخر مستكتمًا إياه من قبل أو من بعد، ويشمل ما حفت به قرائن دالة على طلب الكتمان إذا كان العرف يقضي بكتمانه، كما يشمل خصوصيات الإنسان وعيوبه التي يكره أن يطلع عليها الناس.
ثانيًا: السر أمانة لدى من استُودِعَ حفظه، التزامًا بما جاءت به الشريعة الإسلامية وهو ما تقضي به المروءة وآداب التعامل.
ثالثًا: الأصل حظر إفشاء السر. وإفشاؤه بدون مقتضٍ معتبرٍ موجبٌ للمؤاخذة شرعًا.
رابعًا: يتأكد واجب حفظ السر على من يعمل في المهن التي يعود الإفشاء فيها على أصل المهنة بالخلل، كالمهن الطبية؛ إذ يركن إلى هؤلاء ذوو الحاجة إلى محض النصح وتقديم العون فيفضون إليهم بكل ما يساعد على حسن أداء هذه المهام الحيوية، ومنها أسرار لا يكشفها المرء لغيرهم حتى الأقربين إليه.
خامسًا: تستثنى من وجوب كتمان السر حالات يؤدي فيها كتمانه إلى ضرر يفوق ضرر إفشائه بالنسبة لصاحبه، أو يكون في إفشائه مصلحة ترجح على مضرة كتمانه، وهذه الحالات على ضربين:
1. حالات يجب فيها إفشاء السر بناء على قاعدة: ارتكاب أهون الضررين لتفويض أشدهما، وقاعدة: تحقيق المصلحة العامة التي تقضي بتحمل الضرر الخاص لدرء الضرر العام إذا تعيَّن ذلك لدرئه. وهذه الحالات نوعان: ما فيه درء مفسدة عن المجتمع. وما فيه درء مفسدة عن الفرد.
2. حالات يجوز فيها إفشاء السِّر لما فيه: جلب مصلحة للمجتمع، أو درء مفسدة عامة.
وهذه الحالات يجب الالتزام فيها بمقاصد الشريعة وأولوياتها من حيث حفظ الدين والنفس والعقل والنسل والمال.
ومن خلال ما تقدم يعلم جواب مسألتك. والله تعالى أعلى وأعلم.