أسأل الله العظيم أن يجعل هذا العمل في ميزان حسناتكم يا شيخ.
مشكلتي أني لم أقل: مصيبتي تتلخص في أني تمنيت الموت أو الحرق قبل أن أكتب إليك، في فترة من حياتي ارتكبت معصية لا أستطيع كيف قمت بها، وهي ممارسة العادة السرية، مع تخيل أشخاص لا أستطيع ذكرهم، وهم من المحارم والعياذ بالله. قلبي يتقطع ولا أعرف كيف وصل بي الأمر إلى هذا الحد من الرذالة والوحشية أن أفكر هكذا.
الآن تبت إلى الله عندما تذكرت ذنبي، وأسأل الله أن يتوب علي، ولكن هل هذا يلزمني أن أتحلل من هؤلاء الأشخاص وأخبرهم وأطلب منهم مسامحتي على تلك التخيلات أثناء الاستمناء والعياذ بالله، أم أستر نفسي ويسترني ربي يوم القيامة؛ فإني أولًا أخاف أن يذكرني ربي أمام الملأ بذنبي، وأنا لا حمل لي أن يراني أهلي وهذا الذنب الذي لا أتصور لأحد أن يتخيله، قلبي يتعذب.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه؛ أما بعد:
فإن الندم توبة(1).
ولا يلزمك التحلل من هؤلاء الأشخاص؛ لأن الحقَّ في ذلك لله، ولا علم لهؤلاء الأشخاص بما كان منك، ولم تلحقهم من ذلك مظلمة يلزمك التحلل منها، بل توبي إلى الله واستتري بستره؛ فإن من أصاب شيئًا من هذه القاذورات ولو بلغ مبلغ الحدِّ فليستتر بستر الله عليه(2)؛ فإن الناس يُعيِّرون ولا يُغيِّرون، وإن الله يغير ولا يعير(3).
وأبشرك بقول الله تعالى: ﴿وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [الأنعام: 54].
وإياك أن تقنطي من رحمة الله، أو أن تيئسي من رَوحه؛ فإنه لا يقنط من رحمة الله إلا القوم الخاسرون(4)، ولا ييئس من رَوْحه إلا القوم الكافرون(5).
وأسأل الله أن يُقيل عثرتك، وأن يتقبَّل توبتك، وأن يغسل حوبتك، وأن يربط على قلبك، وأن يردك إليه ردًّا جميلًا؛ إنه ولي ذلك والقادر عليه. والله تعالى أعلى وأعلم.
_____________________
(1) أخرجه أحمد في «مسنده» (1/422) حديث (4012)، وابن ماجه في كتاب «الزهد» باب «ذكر التوبة» حديث (4252) من حديث عبد الله بن مسعود، وذكره الكناني في «مصباح الزجاجة» (4/248) وقال: «هذا إسناد صحيح رجاله ثقات»، وذكره الألباني في «صحيح الترغيب والترهيب» حديث (3147) وقال: «صحيح لغيره».
(2) فقد أخرج مالك في «موطئه» (2/825) حديث (1508) مرسلًا عن زيد بن أسلم: أن النبي ﷺ قال: «أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ آنَ لَكُمْ أَنْ تَنْتَهُوا عَنْ حُدُودِ الله، مَنْ أَصَابَ مِنْ هَذِهِ الْقَاذُورَاتِ شَيْئًا فَلْيَسْتَتِرْ بِسِتْرِ الله فَإِنَّهُ مَنْ يُبْدِي لَنَا صَفْحَتَهُ نُقِمْ عَلَيْهِ كِتَابَ الله».
وأخرجه الحاكم في «مستدركه» (4/272) حديث (7615)، والبيهقي في «الكبرى» (8/330) حديث (17379)، من حديث عبد الله بن عمر ب بلفظ: «اجتنبوا هذه القاذورة التي نهى الله عنها فمن ألم فليستتر بستر الله»، وقال الحاكم: «هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه»، وذكره ابن الملقن في «خلاصة البدر المنير» (2/303 – 304) وقال: «أسنده الحاكم والبيهقي من رواية ابن عمر بإسناد صحيح على شرط البخاري ومسلم». (3) أخرجه إسحاق بن راهويه في «مسنده» (3/953) موقوفًا من قول عائشة.
(4) قال تعالى: ﴿قَالَ وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ﴾ [الحجر: 56].
(5) قال تعالى: ﴿يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُون﴾ [يوسف: 87].