ما حكمُ الشَّرْع في دعاء الأمهات على الأبناء، مثل: «إلهي يشل لسانك» ومثله؛ نتيجةً لمشادة خلافية؟ هل يُعتبر معصيةً من الأم لنهي النبي ﷺ عن ذلك(1)؟ مع علمي بعِظَم ذنب العقوق.
وهل إذا قُبلت هذه الدعوة وتمَّ الاستغفار واسترضاء الأمِّ، هل من سبيلٍ لرفع هذه الدعوة إن شاء اللهُ بالدعاء بعدم قبولها؟ جزاكم اللهُ خَيْرًا.
________________
(1) فقد أخرج مسلم في كتاب «الزهد والرقائق» باب «حديث جابر الطويل وقصة أبي اليسر» حديث (3009) من حديث جابر بن عبد الله ب، أن النبي ﷺ قال: «لَا تَدْعُوا على أَنْفُسِكُمْ، ولا تَدْعُوا على أَوْلَادِكُمْ، ولا تَدْعُوا على أَمْوَالِكُمْ؛ لَا تُوَافِقُوا من الله سَاعَةً يُسْأَلُ فيها عَطَاءٌ فَيَسْتَجِيبُ لَكُمْ».
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه و من والاه؛ أما بعد:
فلا ينبغي للأمهات أن تدعو على أولادهن خشيةَ أن تُوافق هذه الدعوة ساعةَ إجابةٍ فتبوء الأم بحسرتها وتتجرَّع مرارتها على مدى الأيام والليالي.
كما يجب على الأولاد البِرُّ بالآباء وتجنُّب ما يُثير استفزازَ الآباء ويحملهن على الانفلات على هذا النَّحْو؛ فقد قال تعالى: ﴿وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا ﴾ [الإسراء: 23] فنبَّه بالتأفف والتضجُّر على ما هو أبلغُ منهما في الإيذاء والإساءة.
قال الإمام الرازي: «المراد من قولِه: ﴿فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ﴾ المنع من إظهار الضجر بالقليل والكثير». انتهى(1).
وقد قال رسولُ الله ﷺ: «لَا تَدْعُوا على أَنْفُسِكُمْ، ولا تَدْعُوا على أَوْلَادِكُمْ، ولا تَدْعُوا على أَمْوَالِكُمْ؛ لَا تُوَافِقُوا من الله سَاعَةً يُسْأَلُ فيها عَطَاءٌ فَيَسْتَجِيبُ لَكُمْ».
قال العلَّامة شمس الحقِّ العظيم آبادي في «عون المعبود شرح سنن أبي داود»: «أي لئلَّا تُصادفوا ساعةَ إجابةٍ ونَيْلٍ فتُستجاب دعوتكم السُّوء»(2).
والكلُّ مُطالَبٌ بالمراجعة وتقوى الله عز و جل ، والقاعدة في طاعة الأولاد للآباء ما ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى حيث قال: «ويلزم الإنسانَ طاعةُ والديه في غير المعصية وإن كانا فاسقين، وهذا فيما فيه منفعةٌ لهما ولا ضرر، فإن شقَّ عليه ولم يَضُرَّه وَجَب، وإلا فلا، وتَحرُم- أي طاعتهما- في المعصية، ولا طاعة لمخلوقٍ في معصية الخالق». انتهى(3).
ومِن رحمة الله عز و جل أن الدعاءَ يُستجاب ما لم يكن بإثمٍ أو قطيعةِ رحمٍ، كما في الحديث: «لَا يَزَالُ يُسْتَجَابُ لِلْعَبْدِ مَا لَمْ يَدْعُ بِإِثْمٍ أَوْ قَطِيعَةِ رَحِمٍ».
فإن دعا الأبُ على ولده في غير حقٍّ فأرجو ألا يُستجاب له، وإن شعر بأنه قد تجاوز الحقَّ في دعائه بادر إلى الاستغفار، والأصلُ أنه ﴿وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا ﴾ [النساء: 110]. واللهُ تعالى أعلى وأعلم.
________________
(1) «التفسير الكبير» (20/152).
(2) «عون المعبود» (4/275).
(3) «الفتاوى الكبرى» (4/464).