مسألة الخروج على الحاكم الفاسق… ما هو حد الفسق الذي إن وصل إليه الحاكم جاز- كحكم شرعي وليس فتوى- الخروج عليه، يعني نتدين بالخروج، يعني نخرج إن استطعنا ونأخذ بأسباب ذلك إن لم نستطع؟ وما لم يصل إلى ذلك الحد من الفسق لا نتدين بالخروج عليه، حتى وإن كان بالطرق السلمية دون إراقة قطرة دم؟ فهل الأمر يختلف إن كان فسقه في نفسه- وما ضابطه- أو تعدَّى للحكم؟ وهل يختلف إن كان الخروج بالسيف أو بغيره؟ وكيف نجمع بين الأدلة؟
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
فيجب أن نسلم بأمرين:
الأول: أن الخروج على الأئمة مرتبط بالكفر البواح الذي عندنا فيه من الله برهان، ونص حديث عبادة بن الصامت خير شاهد على ذلك.
الثاني: أن مبنى الشريعة على تحصيل المصالح وتكميلها، وتعطيل المفاسد وتقليلها، وعلى دفع أعظم المفسدتين باحتمال أدناهما، وتحصيل أعظم المصلحتين بتفويت أدناهما، فإذا كان الأصل هو الصبر على جور الأئمة وعدم الخروج عليهم إلا بالكفر البواح، فإن هذا الأصل لا ينبغي فهمه بمعزل عن بقية الأصول الشرعية التي يدعمها ما لا يحصى من النصوص الجزئية، فإذا كانت مفسدة الصبر على جور الأئمة أعظم من مفسدة القيام عليهم، وقرر ذلك أهل الحل والعقد في جماعة المسلمين، ولم يستقل به طائفة مغامرة تجر الأمة وراءها إلى المحارق والمهالك بلا علم ولا حلم، ولا نظر فيما يصلح من ذلك وما لا يصلح، إذا كان ذلك كذلك فلا حرج في القيام عليهم والحال كذلك، ولا يخفى أن هذا لا يتصور تطبيقه إلا إذا كان فسق الأئمة متعديًا إلى الغير، استطالة على الدماء والأموال والأعراض، ومقامرة بحاضر الأمة ومستقبلها في مجازفات حمقاء، وكان لدى أهل الحل والعقد ما يمكنهم معه القيام عليه دون أن يفضي ذلك إلى مفسدة أعظم.
هذا على مستوى التنظير لهذه المسألة، أما على مستوى التطبيق فنصيحتي لك يا بني ألا تشقق القول كثيرًا في هذه القضايا، فقد ركب متنها من قبلك كثيرون، ولم يجنوا من وراء ذلك إلا إضاعة الأوقات والأعمار فيما لا جدوى وراءه ولا طائل تحته؛ فخير لك أن تشتغل بما ينفعك مما يمكنك تحقيقه، ولا تصعد النظر إلى غير المتاح فيفوتك المتاح وغير المتاح.
وهذه مجرد عجالة في الرد على سؤالك بما أسعف به الوقت، إن كان صوابًا فمن الله، وإن كان الأخرى فأنا ملتزم في الجملة بما عليه السلف، أقرُ بما به يقرون، وأدين بما به يدينون، فإن أخطأت في تحرير بعض أصولهم، أو فهمتها على غير وجهها فأستغفر الله من ذلك، وأنا راجع عنه في حياتي وبعد مماتي والقول ما قالوا، فقولهم أعلم وأسلم وأحكم، والله من وراء القصد. والله تعالى أعلى وأعلم.
الخروج على الحاكم الفاسق
تاريخ النشر : 30 يناير, 2012
التصنيفات الموضوعية: 03 العقيدة