هل الاحتفالُ بأعياد الميلاد مخالفٌ للعقيدة إن تم في إطارِ إدخالِ السرورِ على مسلمٍ وبدونِ أيِّ مخالفاتٍ كالغناءِ والرقص، ولكن فقط للاحتفالِ بميلادِ الشخصِ؟ هل هذا مخالف للعقيدة؟ مع العلم بأن هذا الاحتفال لطفلةٍ ولا يوجد بهذا الاحتفال غيرُ عمل الحلويات والزِّينة للطفلة.
الجواب:
الجواب
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
فإن الأعيادَ مِن جملةِ المناسك، وقد جاءتنا الشريعةُ بعيدين: الفطر، والأضحى؛ فلا يجوز استحداثُ عيدٍ آخرَ، فعن أنس قال: قدم رسول الله ﷺ المدينةَ ولهم يومان يلعبون فيهما، فقال: «مَا هَذَانِ الْيَوْمَانِ؟» قالوا: كنَّا نلعب فيهما في الجاهلية. فقال رسول الله ﷺ: «إِنَّ اللهَ قَدْ أَبْدَلَكُمْ بِهِمَا خَيْرًا مِنْهُمَا يَوْمَ الْأَضْحَى وَيَوْمَ الْفِطْرِ»(1).
وقد دلت الأدلة الشرعية من الكتاب والسنة على أنه لا يجوز الاحتفال بأعياد الميلاد، ولا تجوز إجابة الدعوة إليها، وذلك لسببين:
أولهما: أنها من البدع المحدثة في الدين وأنه لا أصل لها في الشرع المطهر، وقد قال الله ﴿أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ﴾ [الشورى: 21]، وقال سبحانه:﴿ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ * إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ﴾ [الجاثية: 18- 19].

وصحَّ عن رسول الله ﷺ أنه قال: «مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ»(2).
وقال عليه الصلاة والسلام: «خَيْرُ الْـحَدِيثِ كِتَابُ الله، وَخَيْرُ الْـهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ، وَشَرُّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلُّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ»(3).
وفي الصحيحين عن عائشة ل قالت: دخل عليَّ أبو بكر وعندي جاريتان مِن جواري الأنصارِ تغنيان بما تقاولت به الأنصارُ يوم بُعَاث، قالت: وليستا بمغنيتين، فقال أبو بكر: أبمزمورِ الشيطانِ في بيت رسول الله ﷺ؟! وذلك يوم عيد، فقال رسول الله ﷺ: «يَا أَبَا بَكْرٍ، إِنَّ لِكُلِّ قَوْمٍ عِيدًا، وَهَذَا عِيدُنَا»(4). والأحاديث في هذا المعنى كثيرة.
السبب الثاني: ما تتضمنه هذه الاحتفالات من تشبه باليهود والنصارى لاحتفالهم بالموالد، وقد قال عليه الصلاة والسلام محذرًا من سنتهم وطريقتهم: «لَتَتَّبِعُنَّ سَنَنَ مَنْ قَبْلَكُمْ شِبْرًا بِشِبْرٍ وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ حَتَّى لَوْ سَلَكُوا جُحْرَ ضَبٍّ لَسَلَكْتُمُوهُ». قلنا: يا رسول الله، اليهود والنصارى؟ قال: «فَمَنْ؟»(5).
ومعنى قوله: «فَمَنْ؟» أي: هم المعنيون بهذا الكلام.
وقال ﷺ: «مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ»(6)، والأحاديث في هذا المعنى معلومة كثيرة.
ولإدخال السرورِ على قلبِ المسلمِ وسائلُ كثيرةٌ مشروعةٌ، وفيما شَرَعَه الله ورسولُه غُنيةٌ عن هذه المحدَثات.
وأولادنا أمانةٌ في أعناقنا، فينبغي تنشئتهم على المفاهيم الصَّحيحة، وحمايتهم من الاختراقات الثقافيَّة والحضاريَّة الوافدة، على أن يكونَ ذلك بأرفق طريقٍ، مع توفير البدائل المناسبة التي تُسعد الطِّفْل وتقرُّ بها عينه، يُمكننا أن نهدي لأبنائنا ما شئنا على مدار العام، ولكننا نتجنَّب الأعمال الخاصَّة بهذه المناسبة. زادكم اللهُ حرصًا وتوفيقًا. واللهُ تعالى أعلى وأعلم.

ـــــــــــــــــــــــــــــ

(1) أخرجه أحمد في «مسنده» (3/103) حديث (12025)، وأبو داود في كتاب «الصلاة» باب «صلاة العيدين» حديث (1134)، والنسائي في كتاب «صلاة العيدين» حديث (1556)، والحاكم في «مستدركه» (1/434) حديث (1091)، وقال الحاكم: «حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه»، وذكره النووي في «خلاصة الأحكام» (2/819) وقال: «رواه أبو داود والنسائي وغيرهما بأسانيد صحيحة».

(2) متفق عليه أخرجه البخاري في كتاب «الصلح» باب «إذا اصطلحوا على صلح جور فالصلح مردود» حديث (2697)، ومسلم في كتاب «الأقضية» باب «نقض الأحكام الباطلة ورد محدثات الأمور» حديث (1718) من حديث عائشة ل.
(3) أخرجه مسلم في كتاب «الجمعة» باب «تخفيف الصلاة والخطبة» حديث (867) من حديث جابر بن عبد الله ب.
(4) متفق عليه؛ أخرجه البخاري في كتاب «المناقب» باب «مقدم النبي ﷺ وأصحابه المدينة» حديث (3931)، ومسلم في كتاب «صلاة العيدين» باب «الرخصة في اللعب الذي لا معصية فيه في أيام العيد» حديث (892).
(5) متفق عليه أخرجه البخاري في كتاب «أحاديث الأنبياء» باب «ما ذكر عن بني إسرائيل» حديث (3456)، ومسلم في كتاب «العلم» باب «اتباع سنن اليهود والنصارى» حديث (2669) من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه .
(6) أخرجه أبو داود في كتاب «اللباس» باب «في لبس الشهرة» حديث (4031) من حديث ابن عمر ب، وذكره الحافظ العراقي في «تخريج أحاديث الإحياء» (1/217) وقال: «أبو داود من حديث ابن عمر بسند صحيح». وحسنه الألباني في «مشكاة المصابيح» حديث (4347).