من هم آل البيت؟ وما خصائصهم؟
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه؛ أما بعد:
فقد وقع خلاف بين أهل السنة في تحديد من هم آل البيت:
• هل هم بنو هاشم فقط كما يقول الحنفية(1) والمالكية(2)؟!
ويعللون ذلك بأن آله صلى الله عليه وسلم هم من اجتمع معه عليه الصلاة والسلام في هاشم، قالوا: والمطلب لم يجتمع معه عليه السلام في هاشم.
• أم يضاف إليهم بنو المطلب كما يقول الشافعية(3) والحنابلة(4)؟!
ويعللونه بما رواه جبير بن مطعم رضي الله عنه، أنه قال: مشيت أنا وعثمان بن عفان إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقلنا: أعطيتَ بني المطلب من خُمس خَيْبر وتركتنا ونحن بمنزلة واحدة منك، فقال: «إِنَّمَا بَنُو هَاشِمٍ وَبَنُو الْـمُطَّلِبِ شَيْءٌ وَاحِدٌ». قال جبير: ولم يقسم النبي صلى الله عليه وسلم لبني عبد شمس وبني نوفل شيئًا(5).
والظاهر أن آل بيته هم أزواجُه، ومن كان مؤمنًا من قرابته صلى الله عليه وسلم، من آل علي وآل عَقِيل وآل جعفر وآل العباس، وهم الذين تُحرم عليهم الصدقة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعمه العباس وقد سأله عن الصدقة، قال: «إِنَّ الصَّدَقَةَ لَا تَنْبَغِي لِآلِ مُحَمَّدٍ إِنَّمَا هِيَ أَوْسَاخُ النَّاسِ»(6).
دخول أزواج النبي صلى الله عليه وسلم في آل البيت:
أما دخول أزواج النبي صلى الله عليه وسلم في آل بيته فهو بيِّنٌ جليٌّ، منصوص عليه في كتاب الله عز وجل، في قوله تعالى بعد أن أمر نساء النبي صلى الله عليه وسلم بالحجاب: يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ ۚ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا [الأحزاب: 33]. وقول الملائكة لسارة زوج إبراهيم عليه السلام: قَالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ ۖ رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ ۚ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ[هود: 73].
ولأنه استثنى امرأةَ لوط من آل لوط عليه السلام في قوله تعالى: إِلَّا آلَ لُوطٍ إِنَّا لَمُنَجُّوهُمْ أَجْمَعِينَ [59] إِلَّا امْرَأَتَهُ قَدَّرْنَا ۙ إِنَّهَا لَمِنَ الْغَابِرِينَ [الحجر: 59- 60].
فدلَّ على دخولها في الآل قال الحافظ ابن كثير في تفسيره هذه الآية:
«إنها نصٌّ في دخول أزواج النبي صلى الله عليه وسلم في أهل البيت هاهنا؛ لأنهن سببُ نزول هذه الآية، وسببُ النزول داخلٌ فيه قولًا واحدًا؛ إما وحده على قولٍ أو مع غيرِه على الصحيح. وروى ابن جرير عن عكرمة أنه كان يُنادي في السوق: نزلت في نساء النبي صلى الله عليه وسلم خاصةً. وهكذا روى ابن أبي حاتم قال: حدثنا عليُّ بن حرب الموصلي، حدثنا زيد بن الحباب، حدثنا حسين بن واقد، عن يزيد النحوي، عن عكرمة، عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: قال: نزلت في نساء النبي صلى الله عليه وسلم خاصةً. وقال عكرمة: من شاء باهلتُه أنها نزلت في شأن نساء النبي صلى الله عليه وسلم. فإن كان المرادُ أنهن كنَّ سبب النزول دون غيرهن فصحيحٌ، وإن أُريد أنهن المرادُ فقط دون غيرهن ففي هذا نظرٌ، فإنه قد ورَدت أحاديثُ تدلُّ على أن المراد أعمُّ من ذلك»(7). انتهى.
كما وقع خلاف في تحرير هذا المصطلح ذاته هل له إطلاق واحد؟ أم أن له إطلاقين يدخل في أحدهما النساء ولا يدخلن في الآخر؟
ومن دقق في رواية زيد بن أرقم يرجِّح الثاني، قال النووي في شرح هذه الرواية:
«وأما قوله في الرواية الأخرى: نساؤه من أهل بيته ولكن أهل بيته من حُرِم الصدقةَ(8). قال: وفي الرواية الأخرى فقلنا: من أهل بيته نساؤه؟ قال: لا(9). فهاتان الروايتان ظاهرهما التناقضُ، والمعروف في معظم الروايات في غير مسلم أنه قال: نساؤه لسن من أهل بيته. فتتأول الرواية الأولى على أن المراد أنهن من أهل بيته الذين يُساكنونه ويعُولُـهم، وأمر باحترامهم، وسماهم ثَقَلًا، ووعظ في حقوقهم وذكَر، فنساؤه داخلات في هذا كله، ولا يدخلن فيمن حُرِمَ الصدقةَ، وقد أشار إلى هذا في الرواية الأولى بقوله: نساؤه من أهل بيته، ولكن أهل بيته من حُرِمَ الصدقة. فاتفقت الروايتان»(10). انتهى.
أما خصائص أهل البيت فإن من أظهرها أمرين:
• حُرمة أموال الزكاة عليهم، لحديث: «إِنَّ الصَّدَقَةَ لَا تَنْبَغِي لِآلِ مُحَمَّدٍ إِنَّمَا هِيَ أَوْسَاخُ النَّاسِ»(11).
قال ابن قدامة: «ولا نعلم خلافًا في أن بني هاشم لا تحلُّ لهم الصدقة المفروضة»(12). أما صدقة التطوع فتحلُّ لهم لأنها ليست من أوساخ الناس.
• وعدم إرثهم من النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم؛ لحديث أبي بكر رضي الله عنه: أنه صلى الله عليه وسلم قال: «لَا نُورَثُ مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ»(13).
فإن الله تعالى صان الأنبياء أن يُورِّثُوا دنيا، لئلَّا يكون ذلك شبهةً لمن يقدح في نبوتهم بأنهم طلبوا الدنيا وورَّثُوها لورثتهم. والله تعالى أعلى وأعلم.
—————————-
(1) جاء في «شرح مختصر الطحاوي للجصاص» (2/388) من كتب الحنفية: «(قال أصحابنا: تحل الصدقات لبني عبد المطلب، وليسوا كبني هاشم، بل هم كسائر قريش؛ لأنه لا خلاف أن بني أمية تحل لهم الصدقة، وأنهم ليسوا من آل النبي صلى الله عليه وسلم، فكذلك بنو عبد المطلب؛ لأنهم جميعًا في القرب من النبي صلى الله عليه وسلم سواء، والصدقة إنما حرمت بالقرب من النبي صلى الله عليه وسلم في النسب».
(2) جاء في «شرح مختصر خليل للخرشي» (2/ 216): «لا يجوز استعمال أحد من آل النبي- عليه السلام- على الزكاة وهم: بنو هاشم وبنوهم».
وجاء في «الكافي في فقه أهل المدينة» (1/ 328): «ولا تحل الصدقة المفروضة لأحد من بني هاشم وهم آل أبي طالب وآل العباس ومن كان مثلهم ممن ينسب بنسبهم من هاشم».
(3) جاء في «الحاوي الكبير» (9/ 374) من كتب الشافعية: «قال الشافعي رحمه الله: وبنو هاشم وبنو المطلب محرم عليهم الصدقات المفروضات».
(4) جاء في «شرح الزركشي» (4/ 600) من كتب الحنابلة: «أن ذا القربى بنو هاشم وبنو المطلب ابني عبد مناف، دون مواليهم، وغير مواليهم».
وجاء في «الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف للمرداوي» (2/ 78) من كتب الحنابلة أيضًا: «وقيل آله بنو هاشم، وبنو المطلب».
(5) أخرجه البخاري في كتاب «المغازي» باب «غزوة خيبر» حديث (4229).
(6) أخرجه مسلم في كتاب «الزكاة» باب «ترك استعمال آل النبي على الصدقة» حديث (1072).
(7) «تفسير ابن كثير» (3/484).
(8) أخرجه مسلم في كتاب «فضائل الصحابة رضي الله تعالى عنهم» باب «من فضائل علي بن أبي طالب رضي الله عنه» حديث (2408) من حديث زيد بن أرقم رضي الله عنه.
(9) التخريج السابق.
( 10) «شرح النووي على صحيح مسلم» (15/180).
(11) أخرجه مسلم في كتاب «الزكاة» باب «ترك استعمال آل النبي على الصدقة» حديث (1072).
(12) «المغني» (2/489).
(13) متفق عليه؛ أخرجه البخاري في كتاب «الفرائض» باب «قول النبي صلى الله عليه وسلم: لا نُورث ما تركنَا صدقة» حديث (6725)، ومسلم في كتاب «الجهاد والسير» باب «قول النبي صلى الله عليه وسلم: لا نورث ما تركنا صدقة» حديث (1759)