قلتُ لصديق لي: جسمُك جميل. فقال لي: قل: ما شاء الله. أنت تحسدني؟! قلت له: لا والله، أنا لا أتمنى زوالَ النعمة عنك، وكذلك لا أكره لك النعمة، ولا أقصد الحسد، فهل يجب أن أفعل ما يقول صديقي؛ لأني قلت له مستحيل أن يحسد الإنسان دون أن يقصد؟ فما تعليق فضيلتكم؟
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه؛ أما بعد:
فلا حرج فيما قاله صديقُك، وكان ينبغي عليك التجاوبُ معه، وقد يُصيب الإنسانُ غيرَه بالعين وهو لا يقصد، فأحيانًا لا يتمنى العائن زوالَ النعمة للشيء الـمَعِين، بقدر إعجابه وحبِّه لتمَلُّكه، فتقع العينُ، ويقع تأثيرُها بإذن الله سبحانه وتعالى، وهو لم يطلب منك أكثر من أن تذكر الله عز وجل، وذلك حسَنٌ في ذاته.
ويستحبُّ لمن رأى من أخيه شيئًا فأعجبه أن يدعو بالبركة، أو أن يُكبِّر وأن يقول: ما شاء الله لا قوة إلا بالله. بل يُستحب كذلك لمن رأى شيئًا من نفسه أو ماله أو ولده أو أي شيء فأعجبه أن يقول: ما شاء الله لا قوة إلا بالله. يقول تعالى في محكم كتابه: {وَلَوْلَا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مَالًا وَوَلَدًا} [الكهف: 39].
وهذه باقة من أقوال أهل العلم تؤكد لك ما ذكرتُ:
قال النووي رحمه الله: «ويُسْتحب للعائن أن يدعو للمَعِين بالبركة، فيقول: اللهم بارك فيه، ولا تضرَّه. وأن يقول: ما شاء الله لا قوة إلا بالله»(1).
وقال ابن القيم رحمه الله: «وإذا كان العائنُ يخشى ضررَ عينِه وإصابتها للمَعِين، فليدفع شرَّها بقوله: اللهم بارك عليه. كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لعامر بن ربيعة لما عان سهلَ بن حنيف: «أَلَا بَرَّكْتَ؟»(2) أي: قلت: اللهم بارك عليه»(3).
وقال ابن كثير والبغوي رحمهما الله: «قال بعضُ السلف: مَن أعجبه شيءٌ من حاله أو مالِه أو ولده فليقل: ما شاء الله لا قوة إلا بالله. وروى هشامُ بن عروة عن أبيه، أنه كان إذا رأى شيئًا يُعجِبُه، أو دخل حائطًا من حيطانه قال: ما شاء الله، لا قوة إلا بالله»(4).
وقال الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين حفظه الله عن دليل الدعاء بالبركة: «أما التبريكُ فقد ورَدَ في عدة أحاديث «هَلَّا بَرَّكْتَ عَلَيْهِ». فمن خاف أن يصيب شيئًا فليذكر اللهَ وليدْعُ بالبركة حتى لا يصابَ الـمَعينُ، ولا شكَّ أن ذكرَ الله تعالى سببٌ للبركة وكثرة الخير، وزوال النقم، وحلول النعم»(5).
وقال الشيخ محمد الأمين المختار الشنقيطي: «وفي بعض الروايات لغير مالك: «هَلَّا كَبَّرْتَ؟». أي: يقول: الله أكبر. ثلاثًا، فإن ذلك يَرُدُّ عينَ العائن»(6).
وقال أيضًا: «وكذلك من اتَّهم أحدًا بالعينِ فليكبر ثلاثًا عند تخوفه منه، فإن الله يدفع العينَ بذلك، والحمد لله»(7).
وقالت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء: «وأما العلاجُ للعائنِ فإذا رأى ما يُعجبه فليذكر الله وليبرِّك، فيقول: ما شاء الله لا قوة إلا بالله، ويدعو للشخص بالبركة»(8). والله تعالى أعلى وأعلم.
_______________________
(1) «روضة الطالبين» (9/348).
(2) أخرجه مالك في «موطئه» (2/938) حديث (1678)، والحاكم في «مستدركه» (3/465) حديث (5742)، والنسائي في «الكبرى» (4/380) حديث (7616) من حديث سهل بن حنيف رضي الله عنه، وذكره الألباني في «السلسلة الصحيحة» حديث (2572).
(3) «زاد المعاد» (4/170».
(4) «تفسير ابن كثير» (3/85)، «شرح السنة» (12/166).
(5) «المنهل المعين في إثبات حقيقة الحسد والعين» ص 196.
(6)«أضواء البيان» (9/168).
(7)«أضواء البيان» (9/169).
(8)«فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء» السؤال الثاني من فتوى رقم 6366، (1/365، 366).