قمت بعملية إجهاض منذ 10 سنوات، وندمت ندمًا شديدًا، والحمل لم يتجاوز شهرين، هل يُعد قتلَ نفس؟
أنا تبت وذهبت لحج بيت الله، وأعمل الخير ابتغاء مرضاة الله، هل عليَّ دية أو كفارة؟
أنا تعبت وأُحس بأنني قتلت نفسًا ولذلك أظلَمَتِ الدنيا في وجهي عندما قرأت عن عاقبة القاتل وعذابه يوم القيامة.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه؛ أما بعد:
فإن من مقاصد التشريع الإسلامي المحافظةُ على النفس، ومنها نفس الجنين، ولأجل ذلك أُبيح الفطر للحامل من أجل الحَمل، ويؤجل عن الحامل الحدُّ الواجب محافظة عليه. وشرعت العقوبة لمن يتسبب في إجهاضه، مما يدلُّ على أن الأصل في الإجهاض التحريمُ.
والإجهاض لا يجوزُ بعد نفخ الروح في الجنين بأي وجه من الوجوه، إلا في حالة واحدة وهي ما إذا تعارضت حياة الأم مع حياة الجنين، وكانت الحالة واقعةً فعلًا، ولم يُمكن إنقاذُ حياتهما فترجح حياةُ الأم؛ لأنها أصله، ولا يضحى بالأصل من أجل الفرع، وقد قرر مجلس هيئة كبار العلماء في بلاد الحرمين في دورته التاسعة والعشرين بشأن الإجهاض ما يلي:
1 – لا يجوز إسقاطُ الحمل في مختلف مراحله إلا بمبرر شرعي، وفي حدود ضيقة جدًّا.
2 – إن كان الحمل في الطور الأول، وهي مدة الأربعين، وكان في إسقاطه مصلحةٌ أو دفعُ ضرر متوقع، جاز إسقاطه. أما إسقاطه في هذه المدة خشيةَ المشقة في تربية الأولاد، أو خوفًا من العجز عن تكاليف معيشتهم وتعليمهم، أو من أجل مستقبلهم، أو اكتفاءً بما لدى الزوجين من الأولاد- فغير جائز.
3 – لا يجوز إسقاطُ الحمل إذا كان علقةً أو مضغةً حتى تُقرِّر لجنةٌ طبية موثوقة أن استمرارَه خطر على سلامة أمِّه، بأن يخشى عليها الهلاك من استمراره، جاز إسقاطه بعد استنفاد كافة الوسائل لتلافي تلك الأخطار.
4 – بعد الطور الثالث، وبعد إكمال أربعة أشهر للحمل، لا يحلُّ إسقاطه، إلا أن يقرر جمع من الأطباء المتخصصين الموثوقين أن بقاءَ الجنين في بطن أمه يُسبب موتها، وذلك بعد استنفاد كافة الوسائل لإنقاذ حياته، وإنما رخص الإقدام على إسقاطه بهذه الشروط اجتنابًا لأعظم الضررين، وجلبًا لعظمى المصلحتين.
وعندما يكون الإجهاض غيرَ مشروع ففي تقصُّدِه الديةُ، وهي عُشر دية الأم، توزع على الورثة، ولا يرث منها من باشر الإجهاضَ أو تسبب فيه. وفي وجوب الكفارة خلافٌ والأحوط فعلها.
وبناء على ما سبق: فإن كان هذا الإجهاض قد حصل في الأربعين يومًا الأولى، فلا تلزمها ديةٌ ولا كفارة، وإن كان قد حدث بعد ذلك، لزمتها الديةُ، وهي كما سبق عُشر دية الأم. وفي وجوب الكفارة خلافٌ والأحوط فعلها.
ولا تقنطي من رحمة الله يا أمة الله، فإن «النَّدم تَوْبَةٌ»(1). ولا يعظم ذنب على التوبة، و«التَّائِبُ مِنَ الذَّنْبِ كَمَنْ لَا ذَنْبَ لَهُ»(2). والله تعالى أعلى وأعلم.
———————————–
(1) أخرجه أحمد في «مسنده» (1/ 422) حديث (4012)، وابن ماجه في كتاب «الزهد» باب «ذكر التوبة» حديث (4252) من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، وذكره الكناني في «مصباح الزجاجة» (4/ 248) وقال: «هذا إسناد صحيح رجاله ثقات»، وذكره الألباني في «صحيح الترغيب والترهيب» حديث (3147) وقال: «صحيح لغيره».
(2) أخرجه ابن ماجه في كتاب «الزهد» باب «ذكر التوبة» حديث (4250) من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، وذكره الألباني في «صحيح الترغيب والترهيب» حديث (3145) وقال: «حسن لغيره».