اتُّهم أحدُ رجال الأعمال في جريمة قتل عمد بالتحريض، وحكمت عليه المحكمة بالسجن، بعد أن نقض حكمًا كان قد صدر عليه قبل ذلك بالإعدام، ثم استجوب في استحقاقات مالية، وثبتت عليه ديون للخزانة العامة تبلغ مائتي مليار جنيه، وعندما طولب بسدادها طالب بالعفو عنه ليتمكن من سدادها، وهذا المبلغ المذكور يكفي وحده لحل أزمة الخزانة العامة برمتها.
فهل يجوز لولي الأمر العفو عن هذا الرجل تغليبًا للمصلحة العامة، وإتاحة الفرصة للخزانة العامة للتعافي من أزمتها الحادة التي توشك أن تعصف بما يقارب مائة مليون مواطن؟ سيما أن الحق الشرعي في قضية القتل قد سُوِّي بعد ذلك صلحًا، وتلقى ولي الدم تعويضات سخيَّة من قبل الجاني، فيكون قد استوفى بذلك حقه، وتنازل عن القصاص؟!
أم أن ذلك لا يجوز باعتبار أن القاتل يتحتم قتلُه؟ وأن القصاص شريعة الله في التوراة والقرآن، وأن القضاء إذا كان قد نقض حكم إعدامه وحكم عليه بالسجن فلا أقل من حتمية تنفيذ هذه العقوبة، إقامةً للشريعة على القتلة والمجرمين؟
أفتونا مأجورين.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه؛ أما بعد:
فإن عفو السلطان عن عقوبة من العقوبات أو تخفيفه لها يختلف باختلاف العقوبات، ومن المعلوم أن العقوبات الشرعية ثلاث: الحدود، والقصاص، والتعزير.
• فما كان من جنس الحدود الشرعية فلا مدخل فيه للعفو أو الإسقاط، إذا ثبت بالبينة ورفع أمره إلى السلطان، حتى ولو عفا عنها من كان ضحية لها من الآدميين، كحد السرقة مثلًا؛ لحديث: «تَعَافَوُا الحُدُودَ فِيمَا بَيْنَكُمْ؛ فَمَا بَلَغَنِي مِنْ حَدٍّ فَقَدْ وَجَبَ»(1)؛ وحديثِ: «إِذَا بَلَغَتِ الْـحُدُودُ السُّلْطَانَ فَلَعَنَ اللهُ الشَّافِعَ وَالمُشَفَّعَ»(2)؛ وحديثِ: «مَنْ حَالَتْ شَفَاعَتُهُ دُونَ حَدٍّ مِنْ حُدُودِ الله فَقَدْ ضَادَّ اللهَ فِي أَمْرِهِ»(3)، وما جاء في «الموطأ» عن صفوان بن عبد الله بن صفوان: أن صفوان بن أمية قيل له: إنه من لم يهاجر هلك. فقدم صفوان بن أمية المدينة، فنام في المسجد، وتوسد رداءه، فجاء سارق فأخذ رداءه، فأخذ صفوان السارق فجاء به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تُقطَع يده، فقال له صفوان: إني لم أُرِدْ هذا يا رسول الله، هو عليه صدقة. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فَهَلَّا قَبْلَ أَنْ تَأْتِيَنِي بِهِ؟»(4).
أما إذا لم تُرفَع إلى السلطان فتجوز فيها الشفاعة، والتداعي إلى العفو حتى لا تُرفَع ابتداء إلى السلطان.
• وما كان من جنس القصاص فإن الحق فيه لوليِّ الدم؛ لقوله تعالى: ﴿وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا﴾ [الإسراء: 33].
• وما كان من جنس التعازير فإنه ينقسم إلى قسمين: تعازير ترتبت على حقوق محضة لله عز وجل، فهذه التي يدخلها العفو والإسقاط. وتعازير ترتبت على حقوق للآدميين، فهذه من مواضع النظر، والأظهر أنه لا يدخلها العفو أو الإسقاط؛ لتعلق حق آدمي بها، وحقوق العباد مبنية على المشاحة، بخلاف حقوق الرب جل وعلا فمبناها على المسامحة.
جاء في «الموسوعة الفقهية»: «يرى الفقهاء أن الحدَّ الواجب لحقِّ الله تعالى لا عفو فيه ولا شفاعة ولا إسقاط، إذا وصل إلى الحاكم وثبت بالبينة… واختلفوا في العفو في التعزير، فقال الحنفية: إن للإمام العفوَ في التعزير الواجب حقًّا لله تعالى، بخلاف ما كان لجناية على العبد فإن العفوَ فيه للمجني عليه. وقال المالكية: إن كان الحقُّ لله وجب كالحدود، إلا أن يغلب على ظن الإمام أن غير الضرب من الملامة والكلام مصلحة. وقال القرافي: يجوز العفوُ عن التعزير والشفاعة فيها إذا كان لحق آدمي؛ فإن تجرَّد عن حق الآدمي وانفرد به حقُّ السلطنة كان لولي الأمر مراعاةُ حكم الأصلح في العفو والتعزير. وقال الماوردي في الفرق بين الحد والتعزير: إن الحدَّ لا يجوز فيه العفو والشفاعة، لكن يجوز في التعزير العفوُ عنه وتسوغ الشفاعة فيه؛ فإن تفرَّد التعزير بحق السلطنة وحكم التقويم ولم يتعلق به حق لآدمي جاز لولي الأمر أن يراعي الأصلح في العفو أو التعزير، وجاز أن يشفع فيه من سأل العفو عن الذنب؛ روي عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنه قال: «اشْفَعُوا تُؤْجَرُوا، وَيَقْضِيَ اللهُ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ مَا شَاءَ»(5). ولو تعلق بالتعزير حقٌّ لآدمي كالتعزير في الشتم والمواثبة ففيه حق للمشتوم والمضروب، وحق السلطنة للتقويم والتهذيب، فلا يجوز لولي الأمر أن يُسقط بعفوه حقَّ المشتوم والمضروب، وعليه أن يستوفي له حقَّه من تعزير الشاتم والضارب؛ فإن عفا المضروب والمشتوم كان وليُّ الأمر بعد عفوهما على خياره في فعل الأصلح من التعزير تقويمًا والصفح عنه عفوًا»(6). اهـ.
وهذه القضية التي نتحدث عنها تُثير جملة من المسائل:
• منها عقوبةُ القتل بالتحريض، وعما إذا كان يتحتَّم فيها القصاص، أم أن عقوبتها تعزيرية.
• ومنها عقوبة السَّجن التي آلَ إليها الأمرُ في هذه القضية، وما هو تصنيفها في منظومة العقوبات الشرعية؟ هل تُعد هذه العقوبة من جنس التعازير السلطانية البحتة التي تدخل فيها الشفاعة والعفو؟ أم من جنس التعازير التي تتعلق بحقوق الآدميين والتي لا يجوز فيها الشفاعة ولا العفو؟
أولًا: حول القتل بالتحريض والإعانة:
يفرق أهلُ العلم بين الأمر بالقتل أو التحريض على القتل، والإكراه على القتل، ففي الأمر بالقتل أو التحريض عليه لا يكون المأمور مكرهًا على إتيان الجريمة فيأتيها مختارًا، وإذا كان قد أمَر بإتيانها فإن الأمرَ ليس له أثرٌ على اختياره، وقد يكون الآمِرُ ذا سلطان على المأمور كالأب يأمُر ولده الصغير، والحاكم يأمر من هو تحت إمرته، وقد لا يكون له سلطان عليه، وفى هذه الحالة الأخيرة يكون الأمرُ مجرَّدَ تحريض على إتيان الجريمة، وفي كل ذلك قد يكون المأمور غيرَ مميِّز كالصغير والمجنون، وقد يكون مميزًا، ولكل حالة من هذه الحالات حكمها.
ونبدأ بالحديث عما إذا كان المأمور غيرَ مميِّز كالصبي أو المجنون، فيرى جمهور الفقهاء مالك(7) والشافعي(8) وأحمد(9) القصاصَ من الآمِرِ؛ لأنه هو المتسبِّب في القتل، وإن كان المأمور هو الذي باشره فما هو إلا آلةٌ للآمر يُحرِّكها كيف شاء، وخالف في ذلك أبو حنيفة(10) الذي لا يرى القصاصَ من الآمِرِ؛ لأنه تسبَّب في القتل ولم يباشره، والتسبب عند أبي حنيفة لا قصاص فيه.
أما إذا كان المأمور بالغًا عاقلًا ولا سلطان للآمر عليه، فيرى جمهور الفقهاء مالك(11) والشافعي(12) وأحمد(13) القصاصَ من المأمور، أما الآمر فعليه التعزير. ويرى مالك(14) القصاص من الآمر أيضًا إذا حضَر القتل، وهذا يتفق مع رأيه في التَّمالُئِ، فإذا لم يحضره فعليه التعزير، وينبغي أن يُلحَقَ بحضور القتل الإعانةُ عليه؛ لأن المُعِين عند مالك(15) يُقتَص منه. ولا نريد أن نستطرد في نظر بقية الحالات لعدم انطباقها على هذه الحالة.
ثانيًا: حول عقوبة السجن التي آل إليها الأمر:
أما عقوبةُ السجن التي آل إليها الأمر في هذه القضية فلا يخفى أن هذه العقوبة ليسَت حدًّا من الحدود، فليس السَّجن من بين الحدود الشرعية، إلا إذا فُسِّر التغريب في عقوبة الزاني البكر بأنه السَّجن، والأظهر خلافُ ذلك.
ونحن على كل حال لسنا أمام قضية زنا، وإنما قضية قتل عمد، كما أن هذه العقوبة ليست عقوبة قصاص بالبداهة؛ لأن القصاص أن يفعل بالجاني مثل ما فعل بالمجني عليه، فلم يبق إلا أمرُ التعزير، فهي عقوبة تعزيرية.
والتعزير هو التأديب في كلِّ معصية لا حَدَّ لها ولا كفارة، سواء أكان ذلك بترك واجب من الواجبات، أو بفعل محرم من المحرمات.
ومن الأمثلة على ترك الواجب: منع الزكاة، وترك قضاء الدَّين عند القدرة على ذلك، وعدم أداء الأمانة، وعدم رد المغصوب، وكتم البائع ما يجب عليه بيانه، كأن يدلس في المبيع عيبًا خفيًّا ونحوه.
ومن الأمثلة على فِعل المحرمات: سرقةُ ما لا قطع فيه؛ لعدمِ توافر شروط النصاب أو الحرز مثلًا، وتقبيل الأجنبية، والخلوة بها، والغش في الأسواق، والتعامل بالربا، وشهادة الزور، ونحوه.
فالتعزير عقوبةٌ على جريمة لم يَرِدْ فيها حدٌّ أو قصاص أو كفارة، وقد تُرك أمر تقديرها إلى الولاة وإلى القضاة.
والتعزير منه ما يكون لحق الله عز وجل، وهو ما يُعبَّر عنه بالحق العامِّ أو حق المجتمع. ومنه ما يكون حقًّا لآدمي. والأول مبنيٌّ كما سبق على المسامحة، والثاني مبني على المشاحة.
والتعزير في هذه القضية إنما هو لحقِّ المجتمع الذي يُعبر عنه الفقهاء بحقِّ الله عز وجل؛ لأن عقوبة القتل العمد هي القصاص، ولولي الدم الحقُّ في العفو عن ذلك إلى الدية، كما قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى﴾ [البقرة: 178]، وقال تعالى: ﴿وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ [البقرة: 179]، وقال تعالى: ﴿فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ﴾ [البقرة: 178]، وقال صلى الله عليه وسلم فيما رواه البخاري في «صحيحه»: «وَمَنْ قُتِلَ لَهُ قَتِيلٌ فَهُوَ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ: إِمَّا يُودَى وَإِمَّا يُقَادُ»(16)، أي: إما أن يعفو وإما أن يَقتُل، والمراد العفو على الدية جمعًا بين الروايتين، ويؤيده ما جاء في حديث أبي شريح: «فَمَنْ قُتِلَ لَهُ قَتِيلٌ بَعْدَ الْيَوْمِ فَأَهْلُهُ بَيْنَ خَيْرَتَيْنِ: إِمَّا أَنْ يَقْتُلُوا، أَوْ يَأْخُذُوا الدِّيَةَ»(17).
فإن عفا أولياءُ القتيل على الدية فقد استوفوا حقهم، وما بقي من ذلك من تعازير لتكدير الأمن العام فهو حقُّ لله عز وجل.
وصفوة القول: أننا في هذه الحالة أمام جريمة قتل بالتحريض والإعانة، لم يكن للمحرض فيها سلطانٌ على المباشر للقتل، اللهم إلا سلطان التزيين والإغراء، وإمداده بالمال والتسهيلات اللوجستية، تمامًا كتزيين إبليس المعصية لأتباعه، كما قال تعالى: ﴿وَمَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يُؤْمِنُ بِالْآخِرَةِ مِمَّنْ هُوَ مِنْهَا فِي شَكٍّ وَرَبُّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ﴾ [سبأ: 21]، وكما قال تعالى قاصًّا حديث الشيطان يوم القيامة: ﴿وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ [إبراهيم: 22]>
وجمهور الفقهاء على أن القتل بالتحريض لا يستوجبُ القصاص، بل التعزير، ولو كان الحكم فيها هو القصاص فإن الحق في ذلك لولي الدم، فلا يستوفى إلا بطلَبِه، وهو صاحبُ الحق بالعفو متى شاء.
فإن صحَّ أن هذه القضية قد سويت صلحًا، واصطلح فيها الفريقان على تعويضات مالية سخية؛ فقد قضي حقُّ ولي الدم بهذه التعويضات، ولم يبق إلا التعزير للحقِّ العام، وهو حق لله عز وجل؛ لما انتهك من حدوده، ولما كدره من أمن الجماعة، ولما سعى به من الإفساد في الأرض.
وتلك الحقوق قد يدخل فيها العفو والإسقاط؛ رعاية لمصلحة أعظم، فإن تصرفات الإمام على الرعية منوطةٌ بالمصلحة، فهو مقيد في قراراته بأن تكون لله طاعةً وللمسلمين مصلحة.
فإذا كان الإفراجُ عنه سيستجلب للخزانة العامة هذه المبالغ الطائلة، والتي تكفي كما ورد في السؤال لحلِّ أزمة الخزانة العامة برُمَّتها، أو جزءٍ كبير منها، ولم يعارَض ذلك بمفسدة راجحة، سواء من حيث القبول الشعبي العام لهذا الإجراء، أو من أي جهة أخرى، فلولي الأمر الحقُّ في العفو عنه تغليبًا لهذه المصلحة. والله تعالى أعلى وأعلم.
________________________
(1) أخرجه أبو داود في كتاب «الحدود» باب «العفو عن الحدود ما لم تبلغ السلطان» حديث (4376)، والنسائي في كتاب «قطع السارق» باب «ما يكون حرزًا وما لا يكون» حديث (4886)، والحاكم في «مستدركه» (4/ 424) حديث (8156). من حديث عبد الله بن عمرٍو رضي الله عنهما. وقال الحاكم: «هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه».
(2) أخرجه مالك في «موطئه» (2/835) حديث (1525) موقوفا من قول الزبير بن العوام رضي الله عنه.
(3) أخرجه أحمد في «مسنده» (2/70) حديث (5385)، وأبو داود في كتاب «الأقضية» باب «فيمن يعين على خصومة من غير أن يعلم أمرها» حديث (3597)، والحاكم في «مستدركه» (2/32) حديث (2222). من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، وقال الحاكم: «صحيح الإسناد ولم يخرجاه».
(4) أخرجه مالك في «موطئه» (2/834) حديث (1524)، وذكره ابن الملقن في «البدر المنير» (8/652) وقال: «هذا الحديث صحيح رواه مالك في الموطأ».
(5) متفق عليه؛ أخرجه البخاري في كتاب «الأدب» باب «قول الله تعالى: {مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا}» حديث (6028)، ومسلم في كتاب «البر والصلة والآداب» باب «استحباب الشفاعة فيما ليس بحرام» حديث (2627)، من حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه.
(6) «الموسوعة الفقهية» (30/184-185).
(7) جاء في «البيان والتحصيل» (16/ 308) من كتب المالكية: «وأما أن كان مراهقًا لم يبلغ الحلم مثله يتناهى عما ينهى عنه فإن الآمر يقتل ويكون على عاقلة الصبي القاتل نصفُ عقل المقتول عند ابن القاسم ، فإن كثُر الصبيان المأمورون كانت الدية على عواقلهم وإن لم يصر على عاقله كل واحد منهم إلا أقل من ثلث الدية».
وجاء «التاج والإكليل» (6/ 242) من كتب المالكية أيضًا: «إذا أمر رجل صبيا صغيرا لا يعقل بقتل رجل أو بقتل صبي قتل الآمر أبا كان أو معلما وكانت على عاقلة الصغير المأمور الدية وإن كان الصبي ممن يعقل وهو دون الحلم أدب ولم يقتل وكان على عاقلة الصبي المأمور الدية انتهى»
(8) جاء في «الحاوي في فقه الشافعي» (12/ 79) من كتب الشافعية: «وهكذا حكم الأب مع ابنه إذا أمره بالقتل في أن يراعى تمييز الابن ، فإن كان مميزا يعلم أن طاعة الأب في القتل لا تجب ، فالابن هو القاتل دون الأب ، وإن كان لا يميز لصغره أو بلهه ، فالأب هو القاتل دون الابن» .
وجاء في «المجموع شرح المهذب» (18/ 396) من كتب الشافعية أيضا «وان أمر خادمه الصغير الذي لا يميز، أو كان أعجميا لا يميز ويعتقد طاعته في كل ما يأمره به بقتل رجل بغير حق فتقله وجب القود والكفارة على الآمر ولا يجب على المأمور شئ: لان المأمور كالآلة فصار كما لو قتله بيده »».
(9) جاء في «شرح منتهى الإرادات» (3/ 262) من كتب الحنابلة: «أمر بالقتل ( صغيرا أو مجنونا ) فقتل لزم القصاص الآمر».
(10) جاء في «المبسوط للسرخسي» (24/ 133) من كتب الحنفية: «أن المباشر والمتسبب إذا اجتمعا في الإتلاف فالضمان على المباشر دون المتسبب».
(11) جاء في «شرح مختصر خليل» (8/ 10) من كتب المالكية: «الأب إذا أمر ولده الصغير أن يقتل شخصا فقتله فإن الأب يقتل به دون ولده الصغير سواء كان حرا أو رقيقا وعلى عاقلة الصغير نصف الدية فلو كان الولد كبيرا لقتل وحده وهو داخل في قوله فإن لم يخف المأمور اقتص منه ويعاقب الأب وكذا المعلم إذا أمر ولدا صغيرا بقتل شخص فقتله فإن المعلم يقتل به وحده وعلى عاقلة الصغير نصف الدية ولو كان المأمور كبيرا لقتل وحده ويعاقب المعلم».
(12) جاء في «مغني المحتاج» (4/ 11) من كتب الشافعية: «( لو قال ) لشخص ( اقتل زيدا أو عمرا ) وإلا قتلتك ( فليس بإكراه ) حقيقة فمن قتله منهما فهو مختار لقتله فيلزمه القصاص له ولا شيء على الآمر غير الإثم».
(13) جاء في «شرح منتهى الإرادات» (3/ 262) من كتب الحنابلة: «( ومن أمر بالقتل مكلفا يجهل تحريمه ) أي القتل كمن نشأ بغير دار الاسلام فقتل لزم الآمر القصاص أجنبيا كان المأمور أو عبدا للآمر لأن المأمور غير العالم بحظر القتل له شبهه تمنع القصاص كما لو اعتقده صيدا ولأن حكمه القصاص الردع والزجر ولا يحصل ذلك في معتقد الإباحة وإذا لم يجب عليه القصاص وجب على الآمر لأن المأمور إذن آلة لا يمكن إيجاب القصاص عليه فوجب على المتسبب كما لو أنهشه حية فقتلته بخلاف ما إذا علم حظر القتل فان القصاص على المأمور لمباشرته القتل ولا مانع من وجوب القصاص فانقطع حكم الآمر كالدافع مع الحافر».
(14) جاء في «شرح مختصر خليل» (8/ 10): «الأب إذا أمر ولده الصغير أن يقتل شخصا فقتله فإن الأب يقتل به دون ولده الصغير سواء كان حرا أو رقيقا وعلى عاقلة الصغير نصف الدية فلو كان الولد كبيرا لقتل وحده وهو داخل في قوله فإن لم يخف المأمور اقتص منه ويعاقب الأب وكذا المعلم إذا أمر ولدا صغيرا بقتل شخص فقتله فإن المعلم يقتل به وحده وعلى عاقلة الصغير نصف الدية ولو كان المأمور كبيرا لقتل وحده ويعاقب المعلم».
وجاء في«التاج والإكليل» (6/ 242) من كتب المالكية: «أن يأمر الرجل ابنه الذي في حجره وقد بلغ الحلم أو الصانع لمتعلمه وقد بلغ الحلم أو المؤدب لمن يؤدبه وقد بلغ الحلم بقتل رجل فيفعل، اختلف في هذا قول ابن القاسم فقال في سماع يحيى يقتل القاتل ويبالغ في عقوبة الآمر، وقال في رواية سحنون إنهما يقتلان».
(15) جاء في «التوضيح في شرح مختصر ابن الحاجب»(8/ 324) من كتب المالكية: «ويقتل من أعان على القتل ومن لم يعن، قال ابن القاسم: ولو كانوا مائة ألف».
وجاء في «شرح مختصر خليل» (8/ 106) من كتب المالكية أيضًا: «وأما إن صدر منه قتل فإنه يقتل وجوبا , ولو كان الذي قتله كافرا , أو عبدا ولا يشترط مباشرته للقتل , بل ولو شاركه فيه بإعانة كضرب , أو إمساك , بل ولو لم يعن».
(16) أخرجه البخاري في كتاب «الديات» باب «من قُتل له قتيلٌ فهو بخير النظرين» حديث (6880) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(17) أخرجه أبو داود في كتاب «الديات» باب «ولي العمد يرضى بالدية» حديث (4504)، والترمذي في كتاب «الديات» باب «ما جاء في حكم ولي القتيل في القصاص والعفو» حديث (1406) وقال: «حديث حسن صحيح».