هل توجد نافلة بين المغرب والعشاء؛ وما فضلها؟
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه؛ أما بعد:
فإن صلاة النافلة بين المغرب والعشاء من جُملة قيام الليل؛ لأن الليل من المغرب إلى طلوع الفجر الثاني؛ قال البهوتي في «كشاف القناع»: «ويستحب التنفُّل بين العشاءين، وهو من قيام الليل، لأنه- أي الليل- من المغرب إلى طلوع الفجر الثاني، لقول أنس رضي الله عنه في قوله تعالى: ﴿تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ﴾ [السجدة: 16]. قال: كانوا يتنَفَّلون بين المغرب والعشاء يصلون(1)»(2).
وقد دلَّت الأحاديثُ والآثار على فضلِ صلاة النافلة بين المغرب والعشاء، وأنها سببٌ لغفران الذنوب إضافةً إلى أجر الصلاة عمومًا، وتسمَّى صلاةَ الغَفْلَة، لأنه وقت غفلة الناس عن الصلاة وانشغالهم بما سواها.
فعن حُذيفة رضي الله عنه قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فصلَّيت معه المغرب، فصلى إلى العشاء(3).
وعن أنس رضي الله عنه في قوله تعالى: ﴿تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ﴾– نزلت في انتظارِ الصلاة التي تُدعى العَتْمَة. رواه الترمذي وقال: «حديث حسن صحيح غريب»(4). وأبو داود. إلا أنه قال: كانوا يتَنَفَّلُون ما بين المغرب والعشاء يصلون(5).
وقد ذكر الألبانيُّ في «صحيح أبو داود» هذه الرواية عن قتادة، عن أنس بن مالك في هذه الآية: ﴿تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ﴾ [السجدة: 16]ـ قال: كانوا يتيقَّظون ما بين المغرب والعشاء يصلُون(6).
وقد استحبَّ كثيرٌ من الفقهاء الصلاةَ بين المغرب والعشاء، وسموا تلك الصلاة: صلاة الغفلة؛ وسبب ذلك أن هذا الوقت هو وقت غفلةِ الناس عن الصلاة واشتغالهم بما سواها(7).
ووقع النصُّ على استحبابها في عامَّة كُتب الشافعية(8).
وقال صاحب «الفواكه الدواني» من المالكية: «وبالجملة التنفُّل بين المغرب والعشاء مُرَغَّب فيه- أي حَضَّ عليه الشارعُ- لما قيل من أنها صلاةُ الأوابين وصلاة الغفلة»(9). انتهى. والله تعالى أعلى وأعلم.
______________________
(1) أخرجه أبو داود في كتاب «الصلاة» باب «وقت قيام النبي صلى الله عليه وسلم من الليل» حديث (1321)، وذكره الألباني في «صحيح سنن أبي داود» (1321).
(2) «كشاف القناع» (1/437).
(3) أخرجه النسائي في «الكبرى» (1/157) حديث (380)، وذكره المنذري في «الترهيب والترغيب» (1/228) وقال: «رواه النسائي بإسناد جيد».
(4) أخرجه الترمذي في كتاب «تفسير القرآن» باب «ومن سورة السجدة» حديث (3196).
(5) أخرجه أبو داود في كتاب «الصلاة» باب «وقت قيام النبي صلى الله عليه وسلم من الليل» حديث (1321).
(6) «صحيح سنن أبي داود» (1321).
(7) جاء في «المبسوط» من كتب الحنفية (1/157): ((وإن تطوع بعد المغرب بست ركعات فهو أفضل؛ لحديث ابن عمر رضي الله تعالى عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «من صلى بعد المغرب ست ركعات كتب من الأوابين»)).وجاء في «الفواكه الدواني» (1/197-198) من كتب المالكية: «(التنفل بين المغرب والعشاء مرغب فيه) أي حض عليه الشارع؛ لما قيل: من أنها صلاة الأوابين وصلاة الغفلة».
(8) جاء في «أسنى المطالب» (1/205): « وتسن ركعتان للإحرام) بحج، أو عمرة، أو مطلقا… (وصلاة الأوابين) وتسمى صلاة الغفلة لغفلة الناس عنها واشتغالهم بغيرها من عشاء ونوم وغيرهما (وهي عشرون ركعة بين المغرب، والعشاء)».
(9) «الفواكه الدواني» (1/197-198).