أقيم في إيطاليا وكثيرًا ما أقابل النساء في العمل، ومن عادات المجتمع أن المصافحة مثل التحية لدينا فتمد يدها للمصافحة، فأضطر لمصافحتها، وإذا رفضت فإن ذلك سيؤثر علي في أمور كثيرة منها أنني أحدثهم عن الإسلام فستكون ردة الفعل ليست إيجابية. أرجو إفادتنا، وجزاكم الله خيرًا.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
فإن الأصل هو المنع من مصافحة المرأة الأجنبية؛ لما ورد في ذلك من الأدلة الصحيحة الصريحة، نذكر منها: حديث معقل بن يسار يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «لَأَنْ يُطْعَنَ فِي رَأْسِ أَحَدِكُمْ بِمِخْيَطٍ مِنْ حَدِيدٍ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَمَسَّ امْرَأَةً لَا تَحِلُّ لَهُ»(1). وحديث عائشة ل قالت: كانت المؤمنات إذا هاجرن إلى النبي صلى الله عليه وسلم يمتحنهن بقول الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ﴾} [الممتحنة: 10]. قالت: من أقر بهذا الشرط من المؤمنات فقد أقرَّ بالمحنة، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أقررن بذلك من قولهن، قال لهن رسول الله صلى الله عليه وسلم : «انْطَلِقْنَ فَقَدْ بَايَعْتُكُنَّ». لا والله ما مسَّت يد رسول الله صلى الله عليه وسلم يد امرأة قط غير أنه يبايعهن بالكلام(2).
يقول ولي الدين العراقي في «طرح التثريب»: «وفيه: أنه عليه الصلاة والسلام لم تمس يده قط يد امرأة غير زوجاته وما ملكت يمينه، لا في مبايعة ولا في غيرها، وإذا لم يفعل هو ذلك مع عصمته وانتفاء الريبة في حقه: فغيره أولى بذلك».
وأقوال الفقهاء الأئمة مستفيضة في ذلك، وعلى هذا فينبغي أن يحتاط المسلم في هذا الأمر ما استطاع، وأن يعرف عنه أنه إنما يمتنع من ذلك ديانة توقيرًا للمرأة وصيانة لها، وليس تحقيرًا لها أو ازدراءً بها، فإن غلب على نفسه في موقف من المواقف فإنه يستغفر الله بعدها {وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا} [النساء: 110]. ونسأل الله لنا ولك التوبة والمغفرة. والله تعالى أعلى وأعلم.
___________________
(1) أخرجه الطبراني في «الكبير» (20/211) حديث (486)، وذكره الهيثمي في «مجمع الزوائد» (4/326) وقال: «رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح»، وذكره الألباني في «صحيح وضعيف الترغيب والترهيب» حديث (1910) وقال: «حسن صحيح».
(2) متفق عليه أخرجه البخاري في كتاب «الطلاق» باب «إذا أسلمت المشركة أو النصرانية» حديث (5288)، ومسلم في كتاب «الإمارة» باب «كيفية بيعة النساء» حديث (1866).