ما رأيك في أولئك الذين يعيشون دائمًا وأبدًا في رثاء الذات، وأنهم لا غيرهم قد
تجرَّعوا من العذاب ألوانًا فصار حقًّا لهم أن يُعاقِبوا كل ما حولهم ومن حولهم على ذلك؟
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه و من والاه؛ أما بعد:
فإن الشريعة لا تصادر العواطف الجِبِلِّية الفطرية ولا تصادمها، وإنما تهذبها وتزكيها، إن من حق المصاب أن يتوجَّع، وأن ينفس عن أوجاعه بدمع العين وحزن القلب، ولكنه لا يقول إلا ما يُرضي ربه: إنا لله وإنا إليه راجعون.
إن من حق المظلوم أن يتألم، وأن يجهر بالسوء من القول؛ ﴿لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ﴾ [النساء: 148] ومن ذلك التشهير بالظالم بذكر مظالمه في الأوساط الإعلامية، وأن يشتكي إلى ربه ظالمه، وأن يقاضيه إلى جهات القضاء، على أن يكون ذلك كله بالقسط، فبالعدل قامت السموات والأرض، ﴿لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ﴾ [الحديد: 25] فإن البغي لا يُرَد بالبغي، وإن الخطيئة لا تقابل بالخطيئة، وإنما بالقصاص العادل أو العفو، والقصاص العادل يعني أن تخص بالشكاية والعقوبة من ظَلَمك وألا يمتد ذلك إلى أحد ممن حوله، فلا يؤخذ بريء بظنين، ﴿وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى﴾ [الأنعام: 164]، وأن تكون العقوبة على مقدار الجناية؛ فلا تقابل اللطمة بالسيف ولا الوكزة بالبندقية، ولا العصا بالمدفع.
وبقيت كلمة: إن تراكم المظالم على النفس وطول حبسها قد يؤدي إلى بعض التشوهات النفسية التي تحتاج إلى علاج كما يحتاج غيره من سائر الظواهر المرضية، ومن حق المريض أن نصبر عليه، وأن نرفق به عند مداواته. والله تعالى أعلى وأعلم.