هل جميع حيوانات البحر على أصل الحِلِّ؟ أم تَحرُم منها الأنواع المفترسة كالقرش والحوت ونحوه؟
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه؛ أما بعد:
فإن الأصلَ في صيد البحر وطعامه الحِل، فكلُّ حيوانات البحر مباحة بدون استثناء، حيها وميتها، ويُقصد بها ما لا يعيش إلا في البحر؛ لقوله تعالى: ﴿أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ﴾ [المائدة: 96]، وهو قول جماهير أهل العلم(1)؛ قال ابن عباس رضي الله عنه : ﴿صَيْدُ الْبَحْرِ﴾: ما أُخذ حيًّا، ﴿وَطَعَامُهُ﴾: ما أُخذ ميتًا، يعني ما ألقاه البحر مثلًا أو طفا على ظهره ميتًا.
قال النووي في «المجموع» وهو بصدد الحديث عما لم يكن على هيئة السمك من حيوان البحر: «وأما ما ليس على صورة السمك المشهورة فالأصح عند الأصحاب: يحل الجميع؛ لأن الصحيحَ أن اسمَ السمك يقع على جميعها، وقد قال الله تعالى: ﴿أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ﴾ [المائدة: 96]؛ قال ابن عباس وغيره: صيده: ما صِيد، وطعامه: ما قُذف؛ ولقوله ﷺ في الحديث الصحيح: «هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ الْحِلُّ مَيْتَتُهُ»(2)»(3).
وقال الدرير في «الشرح الصغير»: «ويُباح الحيوان البحري مطلقًا، وإن ميتًا أو كلبًا أو خنزيرًا، ولا يفتقر لذكاة»(4).
قال ابن حزم : في «المحلى»: «وأما ما يسكن جوفَ الماء ولا يعيش إلا فيه فهو حلال كلُّه كيفما وُجد، سواءٌ أُخذ حيًّا ثم مات، أو مات في الماء، طفا أو لم يَطْفُ، أو قتله حيوان بحري أو برِّيٌّ، هو كله حلال أكله، وسواء خنزير الماء أو إنسان الماء أو كلب الماء وغير ذلك، ذلك حلالٌ أكله، قَتَل كلَّ ذلك وثنيٌّ أو مسلمٌ أو كتابيٌّ أو لم يقتله أحد؛ برهان ذلك قولُ الله تعالى: ﴿وَمَا يَسْتَوِي الْبَحْرَانِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ سَائِغٌ شَرَابُهُ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَمِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْمًا طَرِيًّا﴾ [فاطر: 12]]، وقال تعالى: ﴿أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ﴾ [المائدة: 96] فعمَّ تعالى ولم يخصَّ شيئًا من شيءٍ ﴿وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا﴾ [مريم: 64]»(5).
واستثناء بعضهم الضفدع والتمساح والحية موضعُ نظر، فالضفدع تعيش في البر والبحر، فهي ليست من طعام البحر، فضلًا عما ورد فيها بخصوصها من النهي عن قتلها؛ فقد روى الإمام أحمد في «مسنده» بسند حسن، عن عبد الرحمن بن عثمان قال: ذُكر طبيبُ الدواء عند رسول الله ﷺ وذُكر الضفدع تكون في الدواء، فنهى رسولُ الله ﷺ عن قتلها(6).
وما نُهينا عن قتله نُهينا عن أكله، ولا يتوجَّه استثناءُ التمساح والحية البحرية؛ لعدم صحة قياس طعام البحر على طعام البر؛ لعموم الآية الكريمة التي تدل على عموم حِل صيد البحر وطعامه، ولم يرد في حرمة هذه الأنواع البحرية دليلٌ صحيح يُعوَّل عليه. والله تعالى أعلى وأعلم.
________________
(1) جاء في «بدائع الصنائع» من كتب الحنفية (2/196-198): «صيد البحر فيحل اصطياده للحلال والمحرم جميعا مأكولا كان ، أو غير مأكول».وجاء في «المنتقى» من كتب المالكية (3/128-129): «جميع صيد البحر حلالٌ عند مالكٍ».
وجاء في «أسنى المطالب» من كتب الشافعية (1/553): «( وميتة السمك والجراد حلالٌ ) …لأن ذبحهما لا يمكن عادةً فسقط اعتباره سواءٌ أماتا بسببٍ أم لا وسواءٌ أكان طافيًا أم راسبًا».
وجاء في «المغني» من كتب الحنابلة (9/394): «جملة ذلك أن السمك وغيره من ذوات الماء التي لا تعيش إلا فيه ، إذا ماتت فهي حلال ، سواء ماتت بسبب أو غير سبب».
(2) أخرجه أبو داود في كتاب «الطهارة» باب «الوضوء بماء البحر» حديث (83)، والترمذي في كتاب «الطهارة» باب «ما جاء في ماء البحر أنه طهور» حديث (69) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه ، وقال الترمذي: «هذا حديث حسن صحيح».
(3) «المجموع» (9/32).
(4) «حاشية الصاوي على الشرح الصغير» (2/182).
(5) «المحلى» (6/60).
(6) أخرجه أحمد في «مسنده» (3/453) حديث (15795)، وأبو داود في كتاب «الطب» باب «في الأدوية المكروهة» حديث (3871)، والنسائي في كتاب «الصيد والذبائح» باب «الضفدع» حديث (4355)، والحاكم في «مستدركه» (3/504) حديث (5882). وذكره ابن الملقن في «خلاصة البدر المنير» (2/36) وقال: «رواه أبو داود والنسائي والحاكم وقال صحيح الإسناد والبيهقي وقال هو أقوى ما روي في النهي عن قتلها».