ما حكم الجلوس في مائدة مع زملاء العمل وهم يأكلون أو يشربون المحرمات؟
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه؛ أما بعد:
فقد سبق القول بأن الأصلَ في مثل ذلك المنع، وإن لم يشاركهم المخالط لهم فيما يباشرونه من المحرمات؛ لما تمهد في الشريعة من اجتناب مجالس المنكر لمن لا يقدر على إنكارها؛ فقد قال تعالى: ﴿وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعً﴾ [النساء: 140]
فمن جاء طائعًا مختارًا إلى مكانٍ يُعصى فيه اللهُ عز و جل فإنه يكتب له مثل إثم الفاعل؛ فعن أبي سعيد الخدري قال: سمعتُ رسول الله ﷺ يقول: «مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإِيمَانِ»(1).
ومن المعلوم أنه لا سبيل إلى الإنكار في هذه المواضع، اللهم إلا الإنكار بالقلب الذي يقتضي مفارقة هذه المنكرات واجتناب أصحابها، فإن من لم يستطع أن يُزيل المنكر فليزل هو عنه.
ولا يُستثنى من ذلك إلا ما تقتضيه ضرورة العمل أو حاجاته الأساسية من الاجتماعات الرسمية التي لا بديل منها ولا غنى عنها، فهذه يُترخص فيها، مع المحافظة على إنكار القلب جازمًا وتامًّا؛ لأنه لا سلطان على ما في القلوب إلا لعلام الغيوب. والله تعالى أعلى وأعلم.
_______________
(1) أخرجه مسلم.