في رمضان أفتى شيخُ المسجد بأنَّه يَحرُم على المسلم الدُّخولُ في رمضان على مذهبٍ من المذاهب والخروج من رمضان على مذهب آخر، وهو قد خالف هذا وأخَّر يومًا عن مذهبه، فقمتُ بنصح الشَّيخ بيني وبينه فأبى وباستعلاء وكِبْر، فقمتُ وأخبرت النَّاسَ على الميكروفون بكلِّ أدبٍ وحرصٍ على الجماعة، وبعد شهرٍ جاءني كتابٌ رسميٌّ من المسجد بمنعي من دخول المسجد حتى للصلاة، وفُعِلَ بغيري كثيرٍ مثلُ هذا، وأرسلتُ نسخةً إلى الشرطة، والآن أُصلِّي في البيت، وأقرب مسجد إليَّ ذَهابًا وإيابًا وصلاةً حوالي الساعة، هل أعود لهذا المسجد بشرطِ دون الأمر بمعروفٍ والنهي عن منكر وبدعٍ كثيرة؟ هل أذهب إلى المساجد البعيدة؟ هل أبقى أصلِّي في البيت؟ وجزاكم اللهُ خيرًا.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه و من والاه؛ أما بعد:
فلعلك أخطأتَ عندما وقفت وأعلنت في الميكروفون ما أعلنت، وقد كانتِ النتيجةُ ما رأيت، ولله الأمر من قبل ومن بعد، ولاسيَّما أن الشَّخْص قد يتغيَّر اجتهاده في مسألةٍ من المسائل، ولا حرج عليه إن كان أهلًا لذلك ما دامت المسألة في محلِّ الاجتهاد وليست موضعًا لدليلٍ قاطعٍ من نصٍّ صحيح أو إجماع صريح، وقد تغيَّر اجتهادُ عمر t في مسألة من مسائل الميراث فسُئل في ذلك فقال: تلك على ما قضينا يومئذٍ، وهذه على ما قضينا اليوم(1).
هذا، ولا شكَّ أن الصَّلاةَ في المسجد خيرٌ من الصَّلاة في البيت، وأن صلاةَ الجماعة تَفضُل صلاةَ الفَذِّ بسبعٍ وعشرين درجةً(2)، فإن أُتيح لك أن تُصلِّي في مسجدٍ أبعد فافعل فإن ذلك خيرٌ من صلاتك في بيتك، وإن أُتيح لك أن تُصلِّي في نفس المسجد ولو مع الالتزام بترك المجاهرة بالإنكار على ما ترى أنه من البدع فافعل، وتتبرَّأ ذمَّتك في ذلك بأن تُنكر المنكرَ بقلبك إذا ترتَّب على إنكاره باللسان مفاسدُ راجحة، أو مَنَعَتْك من ذلك القوانين واللوائح. زادَك اللهُ حِرْصًا وتوفيقًا. واللهُ تعالى أعلى وأعلم.
ــــــــــــــــــــ
(1) أخرجه عبد الرزاق في «مصنفه» (10/249) حديث (19005)، عن الحكم بن مسعود الثقفي قال: قضى عمر بن الخطاب في امرأة توفيت وتركت زوجها وأمها وإخوتها لأمها وإخوتها لأبيها وأمها، فأشرك عمر بين الإخوة للأم والإخوة للأب والأم في الثلث، فقال له رجل: إنك لم تشرك بينهم عام كذا وكذا فقال: عمر تلك على ما قضينا يومئذ وهذه على ما قضينا.
(2) أخرجه مسلم (645).