هل أقوم بحساب الصلوات الفائتة في فترة المرض والعلاج، وهي حوالي سبعة أشهر، وتعويضها؟ مع العلم أني لم أكن في حالة تركيز، وعندما بدأت في الوعي والإدراك أصبحت منتظمًا في الصلاة والحمد لله، فهل أقوم بتعويض الصلوات الفائتة مع كل فريضة حالية، أم تكون سقطت عني لأني لم أكن في حالة وعي كامل؟
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
فإن الصلاةَ آكد فرائض الإسلام بعد الشهادتين، وهي لا تسقط بالمرض، بل يؤديها المريض على ما يتيسر له، فإن لم يستطع أن يصلي من قيام فإنه يصلي قاعدًا، فإن لم يستطع فعلى جنب.
أما الإغماء فقد اختلف أهل العلم في أثره على وجوب القضاء، فذهب مالك(1) والشافعي إلى أن المغمى عليه لا يلزمه قضاء الصلاة إلا أن يفيق في جزء من وقتها؛ فعن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أنها سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرجل يغمى عليه فيترك الصلاة، فقالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «لَيْسَ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ قَضَاءٌ إِلَّا أَنْ يُغْمَى عَلَيْهِ فِي وَقْتِ صَلَاةٍ فَيُفِيقُ وَهُوَ فِي وَقْتِهَا فَيُصَلِّيهَا»(2).
وذهب الحنابلة إلى وجوب القضاء عليه قياسًا له على النائم، واستدلوا على ذلك بأن عمارًا غشي عليه أيامًا لا يصلي، ثم استفاق بعد ثلاث فقال: هل صليت؟ فقيل: ما صليت منذ ثلاث. فقال: أعطوني وَضُوءًا. فتوضأ ثم صلى تلك الليلة. وروى أبو مجلز أن سمرة بن جندب قال: المغمى عليه يترك الصلاة- أو فيترك الصلاة- يصلي مع كل صلاة صلاةً مثلها(3).
وهذا فعل الصحابة وقولهم، ولا يعرف لهم مخالف؛ فكان إجماعًا؛ ولأن الإغماء لا يسقط فرض الصيام، ولا يؤثر في استحقاق الولاية على المغمى عليه؛ فأشبه النوم، وضعفوا ما استدل به مالك والشافعي بأن حديثهم باطل، فيه الحكم بن عبد الله بن سعد الأيلي، وقد نهى أحمد : عن حديثه، وضعفه ابن المبارك، وقال البخاري: تركوه. وفي إسناده خارجة بن مصعب وهو ضعيف أيضًا(4).
والخلاصة أنه ينبغي عليك أن تقضي ما فاتك خروجًا من الخلاف واستبراء للدين، لاسيما وأن عبارتك «مع العلم أني لم أكن في حالة تركيز» لا تدل على فقد كامل للوعي، ويمكنك تيسيرًا للقضاء أن تصلي مع كل صلاة صلاةً مثلها.
ونسأل الله أن يتم عليك نعمة العافية، وأن يسبغ عليك نعمه ظاهرة وباطنة، والله تعالى أعلى وأعلم.
ــــــــــــــــــــــ
(1) جاء في «المغني» من كتب الحنابلة (1/290- 291): «وقال مالك ، والشافعي: لا يلزمه قضاء الصلاة إلا أن يفيق في جزء من وقتها».
(2) أخرجه الدارقطني في «سننه» (2/82) حديث (2)، والبيهقي في «الكبرى» (1/388) حديث (1690)، وابن الجوزي في «العلل المتناهية» (1/373) حديث (620) وقال: «هذا حديث لا يصح؛ قال أحمد: لا ينبغي أن يُروى عن الحكم شيء. وقال يحيى: ليس بشيء. وقال أبو داود: تركوا حديثه»، وذكره ابن حجر في «الدراية في تخريج أحاديث الهداية» (1/209) وقال: «في إسناده الحكم بن عبد الله الأيلي وهو واهٍ جدًّا».
(3) ذكرهما ابن قدامة في «المغني» (1/240).
(4) جاء في «المغني» من كتب الحنابلة (1/290-291): «نهى أحمد رحمه الله، عن حديثه، وضعفه ابن المبارك، وقال البخاري: تركوه».