هل يجوز ضفرُ أو ربط الشعر للرجال دون التشبه بالنساء؟ أتمنى أن تُجيبني على سؤالي، وجزاك اللهُ خيرًا.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه و من والاه؛ أما بعد:
فقد كان شعرُ نبيِّك صلى الله عليه وسلم شديدَ السواد رَجِلًا، أي ليس مسترسلًا كشعر الأوربيين، ولا جَعْدًا كشعر الأفارقة، وإنَّما هو على هيئة المُتَمَشِّط، يصل إلى أنصاف أُذُنَيه حِينًا ويُرسله أحيانًا فيصل إلى شَحْمَة أُذُنيه أو بين أذنيه وعاتقه، وغايةُ طولِه أن يضرب مَنكِبيه إذا طال زمانُ إرساله بعد الحلق.
وبهذا يُجمَع بين الروايات الواردة في هذا الشأن، حيث أخبر كلُّ واحدٍ من الرواة عمَّا رآه في حين من الأحيان.
فعن عائشة قالت: كان شعر رسول الله صلى الله عليه وسلم فوق الوَفْرة ودون الجُمَّة(1).
والوفرة: شعر الرأس إذا وصل إلى شحمة الأذن. والجُمَّة: شعر الرأس إذا سقط على المنكبين.
وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم كثيرَ شعر الرأس راجلَه. أخرجه أحمد، والترمذي: وقال حسن صحيح(2).
ولم يُؤثَر عنه أنه حلقه كلَّه إلا في نسكٍ، قال الإمام النوويُّ: «هذا، ولم يحلق النبي صلى الله عليه وسلم رأسَه- أي بالكلية- في سِنِي الهجرة إلا عام الحُدَيْبية، ثم عام عُمرة القضاء، ثم عام حجة الوداع».
وكان صلى الله عليه وسلم يُسدِلُ شعره، أي يُرسِله، ثم ترك ذلك وصار يَفرِقُهُ، فكان الفَرقُ مستحبًّا، وهو آخِرُ الأمرين منه صلى الله عليه وسلم . فعن ابن عباس رضي الله عنه قال: كان النبي يُحب موافقةَ أهل الكتاب فيما لم يؤمر فيه، وكان أهل الكتاب يُسدِلون أشعارهم، وكان المشركون يَفرقون رءوسهم، فسدل النبي صلى الله عليه وسلم ناصيتَه ثم فَرَق بعدُ(3).
وفَرْقُ شعر الرأس هو قسمته في المَفْرِقِ، وهو وسط الرأس.
ولا بأس باتخاذ الضفائر على نحوٍ لا يتضمن تشبهًا بالنساء، فعن أم هانئ بنت أبي طالب قالت: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة قدمةً وله أربع غدائر، وفي رواية: ضفائر(4).
فلا بأس بما ذكرت من ضَفْر الشعر، لكني أذكرك أيها الموفق أن الذي كان يفرق شعره ويضفره كان يُعفي لحيته، فلا تتبع بعضَ السنة وتترك بعضها الآخر، فإن أردت ضفر شعرك فلا تنسَ سنةَ إعفاء اللحية، وساعتها لن تتهم من أحدٍ بتشبُّهك بالنساء! وأسأل الله أن يأخذ بناصيتك إلى ما يحبه ويرضاه. والله تعالى أعلى وأعلم.
______________
(1) أخرجه أبو داود في كتاب «الترجل» باب «ما جاء في الشعر» حديث (4187)، والترمذي في كتاب «اللباس» باب «ما جاء في الجمة واتخاذ الشعر» حديث (1755)، وقال: «حديث حسن صحيح».
(2) أخرجه أحمد في «مسنده» (1/116) حديث (944)، والترمذي في كتاب «المناقب» باب «ما جاء في صفة النبي صلى الله عليه وسلم » حديث (3638)، وذكره الألباني في «السلسلة الصحيحة» حديث (2053).
(3) متفق عليه أخرجه البخاري في كتاب «اللباس» باب «الفرق» حديث (5917)، ومسلم في كتاب «الفضائل» باب «في سدل النبي صلى الله عليه وسلم شعره» حديث (2336).
(4) أخرجه أبو داود في كتاب «الترجل» باب «في الرجل يعقص شعره» حديث (4191)، والترمذي في كتاب «اللباس» باب «دخول النبي صلى الله عليه وسلم مكة» حديث (1781)، وابن ماجه في كتاب «اللباس» باب «اتخاذ الجمة والذوائب» حديث (3631). وحسنه ابن حجر في «الفتح» (10/360)، وذكره ابن القيم في «زاد المعاد» (1/177) وقال: «هذا حديث صحيح». وصححه الألباني في «مختصر الشمائل» (23).