ما موقفُنا من نجيب ساويرس الذي أساء إلى الدين على صفحته بـ«تويتر»، حيث مثَّل المرأة المنتقبة والرجل الملتحي برسومٍ كرتونية، فهل يجب شرعًا مقاطعة التعامل مع نجيب ساويرس، مثل شركة موبينيل على سبيل المثال، أم الأمر لا يرقى إلى درجة الوجوب بل الاستحباب؟
برجاء الإيضاح بصورة قطعية؛ لأن الموضوع مُثَارٌ على الساحة بقوة، فما هو التصرف الأمثل؟ برجاء الإفادة.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه و من والاه؛ أما بعد:
فقد بحث مجمع فقهاء الشريعة بأمريكا هذه القضية وأصدر فيها هذا القرار الذي نسوقه لك بنصِّه ومنه يُعلم الجواب:
المقاطعة هي الامتناع عن معاملة الآخرين اقتصاديًّا أو اجتماعيًّا وَفْق نظام جماعي مدروس، وهي من وسائل المقاومة المشروعة في واقعنا المعاصر، وقد قننتها المواثيق الدولية، وتتسع لها قواعد السياسة الشرعية.
وإذا كان الأصل هو حرية التعامل في الطيبات بيعًا وشراء، أيًّا كان المتعامل معه برًّا أو فاجرًا، مسلمًا أو كافرًا، فإن المقاطعة عندما تتعين سبيلًا لدفع صِيَالٍ أو كفِّ عدوان فإنها تصبح من الوسائل المشروعة للمقاومة، بل لا يبعد القول بأن تكون من الواجبات المحتومة، طبقًا لما تمهد في الشريعة من أن الوسائل تأخذ حكم المقاصد حِلًّا وحرمةً.
وتطبيقًا لهذه القاعدة فإذا كان التعامل مع المعتدي يتضمن تقويةً له وإعانةً له على بغيه وعدوانه بما يُصيبه من الربح، ووُجد بديلٌ من السلع التي تُشترى من المعتدي، سواء أكان من خلال استجلابها من مسلمٍ أو من مسالم، فإن الأدلة الشرعية تتظاهر على حرمة هذا التعامل وتشدد النكير على فاعله.
هذا وتتضمن المقاطعة فيما تتضمن أبعادًا تربوية ودعوية لا تقلُّ في أهميتها عن الأبعاد الاقتصادية، نذكرمنها:
• تربية الأمة على التحرر من العبودية والتبعية الاقتصادية لهذه السلع والمنتجات التي تستنـزف بها مقدرات البلاد لصالح هؤلاء المعتدين.
• إحياء مفهوم الولاء والبراء، وتجديد معاني الأخوة الإسلامية في صور واقعية ومحسوسة، وتأكيد معنى البراءة من المعتدين، سواء أكانوا من الحكومات أم من المحكومين.
• وينبغي أن يصدر بهذه المقاطعة قرارٌ من أولي الأمر؛ لتكون المقاطعة جماعية، ولتكون آثارها فعالة وموجعة، فإذا تردَّد بعض الولاة في القيام بواجبهم لأي سبب من الأسباب انتقلت المسئولية إلى العلماء، الذين يتعيَّن عليهم أن يخاطبوا الأمة بذلك، فإن أولي الأمر في الأمة فريقان: العلماء والأمراء، فإذا تباطأ الأمراء عن دورهم في حمل الأمة على ما يقتضيه النظر الشرعي، فإن الأمور موكولة إلى العلماء، وقد أخذ الله عليهم الميثاق بالبيان، وتوعَّدهم أبلغَ وعيدٍ على الكتمان(1).
هذا وإن وجوب المقاطعة يشمل المستهلكين كما يشمل التجار المستوردين لهذه السلع؛ حتى تتكامل الأدوار في تفعيل هذا السلاح ليكون منتجًا لآثاره ومفضيًا إلى مقصوده. والله تعالى أعلى وأعلم.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) قال تعالى: ﴿وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ﴾ [آل عمران: 187].