إخواني الأفاضل من أهل السنة والجماعة، وفقكم الله.
تقول الرواية: حدثنا محبوب بن موسى الأنطاكي قال: سمعت أبا إسحاق الفزاري يقول: سمعت أبا حنيفة يقول: إيمان أبي بكر الصديق وإيمان إبليس واحد. قال إبليس: يا رب . وقال أبو بكر: يا رب . قال أبو إسحاق: ومن كان من الـمُرجِئَة ثم لم يقل هذا أنكر عليه قوله.
والسؤال: ما صحة نسبة هذه الرواية إلى أبي حنيفة؟ وهل مَن تُنسب إليه هذه الرواية هو النعمان بن ثابت بن زُوطَى- بضم الزاي وفتح الطاء- التيمي، الكوفي، أبو حنيفة، والذي يُنسب إليه المذهب الحنفي؟
أرجو إفادتي؛ لأن أحد الروافض يقدح في الصحابي الجليل أبا بكر بهذه الرواية وينسبها لأبي حنيفة النعمان.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه؛ أما بعد:
فلا علاقة لهذه الرواية- إن صحت- بما يفتريه الخراصون؛ فإن الإيمان قد يُطلق على المعرفة، وقد يطلق على التصديق، وقد يطلق على الإخبات والانقياد، وقد يطلق على كل ذلك، وقد أراد أبو حنيفة- إن صح هذا النقل عنه- أن ينبه إلى أنه قد يلتقي النقيضان في جانب من الجوانب، ولا يعني هذا الاتفاق في سائر الجوانب، فأبو بكر قمة الإيمان، والشيطان رأس الكفر، قد يلتقيان في أصل معرفة الله عز وجل ، والفرق بينهما هو الفرق بين الكفر والإيمان؛ فإبليس أبى واستكبر وكان من الكافرين، وأبو بكر سيد سادات هذه الأمة بعد رسول الله ﷺ.
وذلك كما تقول: إن مشركي مكة كانوا يقرون بالربوبية، وإن أهل الإسلام يقرون بالربوبية، وشتان بينهما؛ ولهذا نُسب إليه : في موضع آخر قوله: إيمان آدم وإيمان إبليس واحد. وذلك فيما رواه الخطيب في كتاب «تاريخ بغداد» عن الفزاري قال: قال أبو حنيفة: إيمان آدم وإيمان إبليس واحد؛ قال إبليس: ﴿رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي﴾ [الحجر: 39] وقال: ﴿رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ﴾ [الحجر: 36]. وقال آدم: ﴿رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا﴾ [الأعراف: 23](1).
ولا يعني هذا بالبداهة أنه يُسوِّي بين إيمان آدم وإيمان إبليس، فآدم نبي كريم، وإبليس شيطان رجيم، وتلك قضية نظرية بحتة لا علاقة لها على الإطلاق بما يذهب إليه خصوم أبي بكر أو خصوم أبي حنيفة رضي الله عن أبي بكر وعن أبي حنيفة. والله تعالى أعلى وأعلم.
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) «تاريخ بغداد» (13/377).