ما حكم الاحتفال بعيد الميلاد؟ سمعت البعض يقول: إنه يجوز الاحتفال بعيد الميلاد (الكريسماس)؛ لأنه مولد سيدنا عيسي عليه السلام، ونحن نؤمن بسيدنا عيسي، فهل ذلك صحيح؟ وهل يجوز لمن اعتنق الإسلام أن يشارك مع أفراد عائلته غير المسلمين الاحتفال بأعياد الميلاد، بنية التواصل الاجتماعي معهم؟
الجواب:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه و من والاه؛ أما بعد:
فإن الأعيادَ من جملة المناسك ومن خصوصيَّات الملل كالقِبلة ونحوها، فتبقى مختصة بأهلها، فلا تحل المشاركة فيها اعتبارًا لهذه الخصوصيات. سواء في ذلك الاحتفال بالمسيح عليه السلام أم الاحتفال بمحمد ﷺ، مع ما لنبينا ﷺ من المكانة التي لم يكتب مثلها لأحد ممن مشى على الأرض، ويزداد الأمر نكارة ويصبح أدخل في باب المنع عندما تختلط المناسبة بأبعاد شركية كما هو الشَّأن في الاحتفال بالكريسماس، فإن القوم لا يحتفلون به باعتباره نبيًّا، بل باعتباره مخلِّصًا ومنقذًا وإلهًا أو ابنَ إله، تعالى الله عن ذلك علوًّا كبيرًا.
فالأعياد من خصوصيات الملل، وليس لنا إلا عيدين الفطر والأضحى، وما وراء ذلك منكر، فقد قدم رسول الله ﷺ المدينة ولهم يومان يلعبون فيهما فقال: «مَا هَذَانِ الْيَوْمَانِ؟» قالوا: كنا نلعب فيهما في الجاهلية. فقال رسول الله ﷺ: «إِنَّ اللهَ قَدْ أَبْدَلَكُمْ بِهِمَا خَيْرًا مِنْهُمَا: يَوْمُ الْأَضْحَى وَيَوْمُ الْفِطْرِ»(1).
وعن عائشة ل أن أبا بكرٍ دخل عليها والنبيُّ ﷺ عندها يومَ فِطْرٍ أو أضحى، وعندها قَيْنَتَانِ تُغَنِّيَانِ بما تَقَاولتْ به الأنصار يَوْمَ بُعَاثٍ، فقال أبو بكرٍ: مِزْمَارُ الشَّيطان. مَرَّتَيْنِ، فقال النبي ﷺ: «دَعْهُمَا يَا أَبَا بَكْرٍ إِنَّ لِكُلِّ قَوْمٍ عِيدًا وَهَذَا عِيدُنَا أَهْلَ الْإِسْلَامِ»(2).
ولا بأس عند رجحان المصلحة من التهنئة بكلمات عامة لا تتضمن انتهاكًا لهذه الخصوصيات، ولا تشتمل على إقرار لغير مسلم على دينه أو رضًا بذلك، إذا وُجد مقتضٍ لذلك من مخالطة أو جوار أو قرابة أو نحو ذلك.
ويبقى بعد هذا ما تعبَّدَنا الله جل وعلا به من البر والقسط في معاملتنا مع المسالمين لأهل الإسلام من غير المسلمين.
قال تعالى: ﴿لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ﴾ [الممتحنة: 8].
ومن البِرِّ بهم عيادةُ مَرْضاهم وتعزيتهم في موتاهم، وقبول هداياهم والإهداء إليهم، وتهنئتهم بنحو زواجٍ وقدومٍ من سفر أو مولود جديد ونحوه، إذا وُجد مقتضٍ لذلك كما سبق من مخالطة أو جوار أو قرابة أو نحو ذلك.
ومن ذلك إغاثتهم فيما ينزل بهم من نوازل عامة أو خاصة، حتى أجاز أحد أئمة أهل العلم من المعاصرين التبرُّع لمرضاهم بالدم ونحوه، وعدَّه من جملة البر الذي تعبَّدنا الله به في التَّعامل معهم.
ومن أبر البر بهم النصح لهم في أمر دينهم، والدُّعاء لهم بالهداية، وألَّا نأتي من الأقوال أو الأعمال ما يُزين لهم باطلهم، ويُوهمهم بصواب ما هم عليه من الدِّين، وقد أمرنا أن نقول لهم على سبيل النصح لهم والإشفاق عليهم.
ويبقى حقُّ القرابة في البر والصلة قائمًا فيما وراء ذلك مما أحله الله ورسوله، ويبقى حق الدعوة في تألف هؤلاء على الإسلام واستمالة قلوبهم عليه قائمًا كذلك بكل أنواع التألف المشروعة، وليس منها المشاركة في احتفالات أو طقوس دينية، ولا بأس بزيارتهم في أعقاب هذه الأعياد استغلالًا للإجازة في الصلة والزيارة، لا بقصد المشاركة في هذه الأعياد أو التهنئة بها، ويكون ذلك في أعقاب انتهاء هذه الليلة التي يحتفلون فيها بهذه المناسبة، ولا بأس باستصحاب هدية عامة لا تحمل دلالة على الارتباط بهذه المناسبة، بل تكون من جنس الصلةِ العامةِ والهديةِ التي يستصحبها زائر لرحمه بعد طول غياب عنهم.
﴿قُلْ يَا أَهْل الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ﴾ [المائدة: 68]. وجزاكم الله خيرًا. والله تعالى أعلى وأعلم.
ــــــــــــــــــــــــــ
(1) أخرجه أحمد في «مسنده» (3/103) حديث (12025)، وأبو داود في كتاب «الصلاة» باب «صلاة العيدين» حديث (1134)، والنسائي في كتاب «صلاة العيدين» حديث (1556)، والحاكم في «مستدركه» (1/434) حديث (1091)، وقال الحاكم: «حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه»، وذكره النووي في «خلاصة الأحكام» (2/819) وقال: «رواه أبو داود والنسائي وغيرهما بأسانيد صحيحة».
(2) متفق عليه: أخرجه البخاري (3530)، ومسلم (892).