شيخي الحبيب، الحمد لله وبفضل الله عَلِمنا من مشايخنا أهل السُّنة، ومن سلفنا الصالح أن الاحتفالَ بالمولد النبويِّ بدعةٌ ولا يجوز، ونحن والله الذي لا إله إلا هو نُحِبُّ سيدنا محمدًا ﷺ، فداه أبي وأمي. وقد علمنا من مشايخنا وعلمائنا رحم الله ميتهم وحفظ حيَّهم أنه لم يحتفل أحدٌ بالمولد النبويِّ في القرون الثلاثة الأولى مع شدة حبِّهم واتباعهم للنبيِّ ﷺ. ويا شيخنا يأتي بعضُ من ينتسب للعلم ويقولون: إن الاحتفالَ به- أعني: بالمولد النبوي- يجوز، ويذكرون أدلة عامةً. فكيف يا شيخنا نردُّ على هؤلاء؟
وإليك مثال لجزءٍ من فتوى لبعضهم، يقول: ومما يلتبس على بعضهم خلوُّ القرون الأولى الفاضلة من أمثال هذه الاحتفالات، وهذا لعمر الحقِّ ليس مُسوِّغًا لمنعها؛ لأنه لا يشكُّ عاقل في فرحهم به صلى الله عليه وسلم، ولكن للفرح أساليبُ شتَّى في التَّعبير عنه وإظهاره، ولا حرج في الأساليب والمسالك؛ لأنها ليست عبادةً في ذاتها، فالفرح به صلى الله عليه وسلم عبادةٌ وأي عبادةٍ، والتَّعبير عن هذا الفرح إنما هو وسيلة مباحة، لكلٍّ فيها جهةٌ هو مُولِّيها.
وإذا كان اللهُ تعالى يُخفِّف عن أبي لهب، وهو مَن هو كُفرًا وعِنادًا ومحاربةً لله ورسوله، بفرحه بمولد خير البشر، بأن يجعله يشرب من نُقرة مِن كَفِّه كل يوم إثنين في النار؛ لأنه أعتق مولاته ثُوَيبة لما بشَّرته بميلاده الشريف صلَّى الله عليه وآله وسلم، كما جاء في «صحيح البخاريِّ»(1)- فما بالكم بجزاء الربِّ لفرح المؤمنين بميلاده وسطوع نوره على الكون.
ويقول في موضع آخر: وقد نقل الصالحيُّ في ديوانه الحافل في السيرة النبوية «سبل الهدى والرشاد في هَدْي خير العباد» عن بعض صالحي زمانه: أنه رأى النَّبيَّ صلَّى الله عليه وآله وسلم في منامه، فشكى إليه أن بعض من ينتسب إلى العلم يقول ببدعيَّة الاحتفال بالمولد الشريف، فقال له النَّبيُّ صلى الله عليه وآله وسلم: «من فرِح بنا فَرِحْنا به».
والرؤيا وإن كان لا يثبت بها حكم شرعيٌّ، فإنه يُسْتَشهَد بها فيما وافق أصول الشَّرع الشريف.
___________
(1) أخرجه البخاري في كتاب «النكاح» باب ﴿وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ﴾ويحرم من الرضاعة ما يحرم من النسب» حديث (5101) من حديث أم حبيبة.
الجواب:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، والصَّلاة والسَّلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
فلا يَحزُنْك إعراضُ بعضِ مَن دخل في مثل هذه التَّأويلات عن الجادَّة التي كان عليها سلفنا الصالح رضوان الله عليهم، لقد علم القاصي والدَّاني أن العبادات توقيفيَّة، وهؤلاء الذين يُباشرون هذه الاحتفالات يُباشرونها تنسُّكًا وتعبدًا، فأنَّى لهم بمشروعيَّتها وقد خلت منها القرون الفاضلة، وهم أشدُّ منا حبًّا للنبيِّ ﷺ، وأعلم منا بسنته وهَدْيه، وقد علموا أنه لا عبادة إلا بتوقيفٍ.
أما الرؤى فقد علمت أنه لا يُعوَّل عليها في إثبات حكمٍ شرعيٍّ، لاسيَّما إذا جرت القرون الفاضلة على خلافه.
فلا تُمارِ في هذا الأمر إلا مراءً ظاهرًا، واشتغل بعد ذلك بما ينفعك من عبادة ربِّك(1)، وقل: ﴿قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدَى سَبِيلًا﴾ [الإسراء: 84]. زادك اللهُ حرصًا وتوفيقًا، واللهُ تعالى أعلى وأعلم.
ــــــــــــــــــــــــ
(1) فقد أخرج مسلم في كتاب «القدر» باب «في الأمر بالقوة وترك العجز والاستعانة» حديث (2664) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: «الْـمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى الله مِنَ الْـمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ وَفِي كُلٍّ خَيْرٌ، احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ وَاسْتَعِنْ بالله وَلَا تَعْجَزْ، وَإِنْ أَصَابَكَ شَيْءٌ فَلَا تَقُلْ: لَوْ أَنِّي فَعَلْتُ كَانَ كَذَا وَكَذَا. وَلَكِنْ قُلْ: قَدَرُ الله وَمَا شَاءَ فَعَلَ. فَإِنَّ (لَوْ) تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ».