أرسل لكم هذا الاستفسار بخصوص موضوع شائك يؤرقني ويؤرق مجموعة من الإخوة في مدينة بوردو في فرنسا.
الموضوع هو أنه عندنا إمام المدينة، وهو ليس متخصصًا بالشريعة، فهو بالأصل حاصل على شهادة بالبيولوجيا، ولكن منذ مجيئه إلى فرنسا ترك تخصصه ودخل في مجال الفكر والخطابة، خصوصًا وأنه صاحب لغة خطابية قوية، كما أنه متمكِّن من علوم الفلسفة والمنطق وغيرها، بدأ منذ فترة ليست بالوجيزة بإصدار فتاوى غريبة، كنا كلما استغربنا إحداها نسأله، فيجيب بأنه يفتي للأقليات وليس يفتي للمسلمين في بلد إسلامي.
ومن آرائه: أن الحجاب ليس فرضا دينيًّا، وهو دائمًا ما يقلِّل من قيمة الحجاب هنا في فرنسا، وأنه يجب ألا نُقَيِّم النساء من خلال الحجاب، أو أن نضغط عليهن لوضعه، حتى إنه قال في إحدى المقابلات الصحفية بأنه ينصح المسلمات بأن يضعن الحجاب في جيوبهن وينطلقن للعمل والدراسة في المجتمع.
ومن آرائه أيضًا: إجازته لقروض البنوك في الغرب.
وأيضًا قوله: بأن الإنسان قد يكون أصله جاء من القرد.
وأيضا قوله: بأن الإنسان قد يرى الله جهرة في الدنيا.
وهو يعتمد على القول الموحِش والغريب والعبارات الغامضة التي لا يُفهم منها شيء، والبحث عن كل الآراء الغريبة في الفقه الإسلامي التي يمكن أن تيسِّر على المسلمين في الغرب على حدِّ زعمه.
كما أنه كثير السخرية من أوضاع المسلمين، وغالبًا ما يلجأ للضحك عندما نواجهه بالأحاديث الواضحة، وأذكر أنه عندما تعرض إخواننا في غزة للمجزرة الإسرائيلية، كان يقول بأننا لن نحرر فلسطين بهذه الصواريخ البدائية.
إلى غير ذلك من المواقف الغريبة، فهو- كما يقول- من دعاة إسلام الحد الأدنى؛ أي الفرائض فقط.
ومن أقواله: إن الإنسان يمكن أن يجمع الظهر والعصر والمغرب، وأن هذا حدث على زمن النبي ﷺ، وأن المرأة يجوز لها أن تؤمَّ الرجال. وهو يقول لنا دائمًا بأننا لم نر شيئًا بعد، وأن لديه الكثير من الآراء التي ستصدمنا، وأن القادم أدهى وأمرُّ.
فما حكم هذا الرجل، خصوصًا وأن بعض الإخوة يرون أنه يخطئ ولكن له مواقف طيبة؟ وهناك مجموعة أخرى من الإخوة ترى بأنه رجل مبتدع ولا ينبغي أن يؤخذ منه، بل ينبغي العمل لعزله من منصبه بالطرق القانونية داخل الجميعة الإسلامية، فما هو رأيكم فضيلة الشيخ؟ وهل نحن مخطئون في حكمنا على هذا الرجل ونظلمه حقه؟ أم أنه رجل مبتدع في الدين؟
الجواب:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه و من والاه؛ أما بعد:
فإنَّ من تتبَّع زلاتِ أهل العلم ورخصَهم واتخذها دينًا فقد تزندق، ومن مفاسد هذا المسلك ما يلي:
• الاستهانة بالدين، فلا يكون مانعًا للنفوس من هواها، ذلك أن حقيقة التكليف إخراج الإنسان عن داعية هواه حتى يكون عبدًا لمولاه، والقول بإباحة تتبع الزلات فيه حث للاسترسال مع الهوى.
• التفلُّت من قيد التكليف بترك اتباع الدليل إلى اتباع الخلاف، ثم إنه لا يوجد محرَّم إلا وهناك من قال بإباحته إلا ما ندر من المسائل المجمع عليها، وهي نادرة جدًّا.
• انخرام قانون السياسة الشرعية بترك الانضباط إلى أمر معروف، فتضيع الحقوق، وتتعطَّل الحدود، ويجترئ أهل الفساد.
فإن صح ما تقول- وكثير منه ليس من جنس الرخص، بل هو من جنس الزلل البحت والخطأ المحض- وكان نقلُك دقيقًا، فمثل هذا الرجل لا ينبغي أن يُصدَّر لإمامة ولا لخطابة ولا لإفتاء، وينبغي أن يُسعى في عزله بالطرق المشروعة بما لا يؤدي إلى مفسدة أكبر. ولكن إياكم والعجلة التي تجلب الندامة، فإن العاقل من عرف زمانه! والله تعالى أعلى وأعلم.
اتباع الشاذ من الأراء والأقوال
تاريخ النشر : 31 يوليو, 2017
التصنيفات الموضوعية: 03 العقيدة