لبس البنطال للداعية

أنا داعية من أهل السعودية- المنطقة الوُسْطى- لي نشاط دعوي جيد من خلال البرامج والخطب والمواعظ وتأثيري فيمن حولي جيد ولله الحمد. بعض من حولي يعدونني شيخًا لأن لي اشتغالًا لا بأس به بعلوم الشريعة.
قضيتي أنني شديد القناعة بمشروعية لبس (البنطلون) بسائر أنواعِهِ (جينز/ رياضي/ خلافه) كما أنني محب جدًّا لهذا النوع من اللباس بسبب حبي للجمال والأناقة: «إِنَّ اللهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الْـجَمَالَ». ولذلك فأنا ألبس البنطال وأخرج بالجينز والتي شيرت والقميص (طبعًا في غير المحافل العامة والمناسبات الرسمية) والمشكلة أنني أجد مَن يُنكر عليَّ ويشنِّع.
سؤالي:
هل هناك وجه شرعي مُعتبر للمنع من لبس البنطلون بعيدًا عن مسألة العادات التي يختلف بها كل بلد عن غيره؟
هل كون الشخص (ملتزمًا) يحرمه مما يسع غيره؟ وما الذي يمنع الداعية من لبس ما يحب إذا لم يكن هناك محذور شرعي؟
هل هناك فرق بين الجينز وغيره من البنطلونات؟
إذا قلنا بالعُرف فما العرف المحكم؟ أهو عُرف عموم البلد الذي أصبح متقبِّلًا لهذا اللباس كما هو ظاهر؟ أم هو عُرف خصوص المطاوعة للذين قد يتشددون؟
لِـمَ يحرصُ الملتزمون والدعاة على تمييز أنفسهم بلباسٍ خاص وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يلبس ما يلبسه الناس حتى لا يكاد يعرفه الأعرابي إذا دخل عليه؟
كيف يكون لبس البنطلون لداعية صغير مثلي مُنكرًا في السعودية، بينما يلبسُهُ كبار فقهاء ودعاة وعلماء الأقطار الأخرى؟! إلى هذا الحدِّ تتحكَّم الأعراف؟
أليست البنطلونات هي صورة من صور السراويل التي ذكر في النصوص أنها كانت من لباس العربِ؟
أخيرًا هل أستمرُّ على الملابس التي أحببتها واقتنعت بها أم أتوقف؟ ولماذا؟
آمل من فضيلتكم التكرم بجواب مفصَّل يشفي الغليل ويضع الأمور في نصابها.


بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
فإن المطلوب في الثياب عمومًا أن تكون ساترة للعورة بما لا يشف ولا يصف، وألا تتضمن تشبهًا بالنساء أو بالكفار، فما كشف عن العورة أو جزء منها أو ما تضمن تشبهًا بالنساء أو تشبهًا بالكفار فيما يعتبر شعارًا مميزًا لهم فلا يحل ارتداؤه. والمشكلة في البنطال تأتي فيما يبدو من كونه يصف العورة في كثير من الأحيان، ونزوله أسفل من الكعبين في كثير من الأحيان كذلك، وقد يراه بعض الناس من ثياب الكفار. أما بالنسبة للنقطة الأولى فينبغي لأهل الدِّين أن يحرصوا على ستر العورة بما لا يشف ولا يصف ويتأكد هذا في الصلاة لأن من شروط صحتها ستر العورة كما هو معلوم، فينبغي لمن كانت هذه ثيابه أن يحرص على أن يكون بنطاله فضفاضًا لا يصف عورته، والعورة كما لا يخفى بالنسبة للرجال من السرة إلى الركبة. أما بالنسبة للنقطة الثانية فهذه قضية لا تختص بالبنطال بل تنطبق على الثياب عامة العربية وغير العربية ويجري فيها الخلاف المعروف هل المحرَّمُ من ذلك ما كان للخُيَلاء أم أن التَّحريم على إطلاقه وعمومه، ويتغلَّظ فيما كان منه للخيلاء؟ والخلاف في هذا منقول ومشهور. والقدر المحكم المستيقن أن الإسبال للخيلاء محرَّم بلا نِزاع، وأن ما تجردَّ من الخيلاء فهو مكروه، وينبغي أن يتنزَّه عنه أهل الدِّين وحملة الشريعة.
أما بالنسبة للنقطة الثالثة فلا أرى في البنطال ثيابًا خاصة بالكفار، ولا يعتبر في ظني شعارًا مميزًا لهم ولاسيما عندما تستصحب عالمية الإسلام وعالمية دعوته، فالثياب العربية ليست هي المقصودة بذاتها وإنما المقصود ما تتضمنه من ستر للعورة بما لا يشف ولا يصف، وثمة فتوى صدرت عن اللجنة الدائمة حول لبس البنطال أفتت فيها بجواز ارتدائه للرجال في ضوء ما سبق من المجددات العامة.
وأخيرًا فإن العُرف معتبر في هذا المقام فمَن كان يعيش في مجتمعٍ لا يرتدي أهل الدِّين فيه هذه الثياب فينبغي له ألا يخرج على ما استحسنه أهل الدِّين في محلته، ويسعه إذا انتقل إلى مكان آخر أن يرتدي ما شاع فيه من ملابس ما دامت في حدود الشرع، والله تعالى أعلى وأعلم.

تاريخ النشر : 30 يناير, 2012
التصنيفات الموضوعية:   20 اللباس والزينة

فتاوى ذات صلة:

Send this to a friend