العمل القضائي خارج ديار الإسلام

سؤالي: هل يجوز تولي القضاء في ظل غياب تطبيق الشريعة؟
حكم تولي المحاماة: حكم العمل بما يُعرف بجهاز الاستخبارات بنية تقليل الشر؛ خاصة وإننا في الجزائر لما سيطر التيار الاستئصالي على تلك المواقع وتحريف ما يسمون بالسلفية وبالتالي هدم المناصب بحجة عدم تحكيم شرع الله ورغم أنهم يقولون: يجب طاعة ولي الأمر. هل كل متهم لا يجوز الدفاع عنه؟


بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
من كتاب المؤتمر الثاني لمجمع فقهاء الشريعة بأمريكا المنعقد في كوبنهاجن/ الدنمارك، في الفترة (4-7 جمادى الأولى 1425 هـ = 22-25 يونيو 2004):
العمل القضائي خارج ديار الإسلام؛ ما يحل منه وما يحرم:
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد: فإن مجمع فقهاء الشريعة بأمريكا المنعقد في دورة مؤتمره الثاني بمدينة كوبنهاجن بدولة الدنمارك من (4-7 من شهر جمادى الأولى عام 1425هـ، الموافق 22-25 من شهر يونيو عام 2004م)- بعد اطلاعه على الأبحاث المقدمة من السادة أعضاء المجمع وخبرائه بخصوص موضوع «العمل القضائي خارج ديار الإسلام: ما يحل منه وما يحرم»، والمناقشات المستفيضة التي دارت حوله.
قرر المجمع ما يلي:
أولًا: الحجة القاطعة والحكم الأعلى هو الشرع وحده، والحكم بغير ما أنزل الله من المحرمات القطعية في الشريعة، وهو سبيل إلى الكفر أو الظلم أو الفسق بلا نزاع.
ثانيًا: الأصل هو وجوب التحاكم إلى الشرع المطهر داخل ديار الإسلام وخارجها، فإن أحكام الشريعة تخاطب المسلم حيثما كان، وتحكيم الشريعة عند القدرة على ذلك أحد معاقد التفرقة بين الإيمان والنفاق.
ثالثًا: إذا لم يكن سبيل إلى التحكيم الملزم للشريعة، على مستوى الدول والحكومات فإن هذا لا يسقط وجوب تطبيقها على مستوى الأفراد والتجمعات، فإن الميسور لا يسقط بالمعسور، وفي التحكيم والصلح ونحوه بدائل عن اللجوء إلى التحاكم إلى القضاء الوضعي القائم على خلاف الشريعة.
رابعًا: يرخص في اللجوء إلى القضاء الوضعي عندما يتعين سبيلًا لاستخلاص حق أو دفع مظلمةٍ في بلد لا تحكمه الشريعة لانعدام البديل الشرعي القادر على ذلك، سواء أكان ذلك داخل بلاد الإسلام أم كان خارجها، ويقيد ذلك بما يلي:
– تعذر استخلاص الحقوق أو دفع المظالم عن طريق القضاء أو التحكيم الشرعي، لغيابه أو العجز عن تنفيذ أحكامه.
– اللجوء إلى بعض حملة الشريعة لتحديد الحكم الشرعي الواجب التطبيق في موضوع النازلة، والاقتصار على المطالبة به والسعي في تنفيذه؛ لأن ما زاد على ذلك ابتداء أو انتهاء خروج على الحق وحكم بغير ما أنزل الله.
– كراهية القلب للتحاكم إلى القضاء الوضعي، وبقاء هذا الترخص في دائرة الضرورة والاستثناء.
خامسًا: يشرع العمل بالمحاماة للمطالبة بحق أو دفع مظلمة، سواء أكان ذلك أمام القضاء الشرعي أم أمام القضاء الوضعي، وسواء أكان ذلك في بلاد الإسلام أم كان خارجها، وكل ما جاز فيه التحاكم بالأصالة جاز فيه التحاكم بالوكالة، ولا حرج في توكيل المسلم لغير المسلم في الخصومة، سواء أكان الخصم مسلمًا أم غير مسلم.
ويشترط لجواز العمل بالمحاماة ما يلي:
– عدالة القضية التي يباشرها بحيث يكون وكيلًا عن المظلوم في رفع مظلمته، وليس معينًا للظالم على ظلمه.
– شرعية مطالبه التي يرفعها إلى القضاء ويطالب بها لموكله.
سادسًا: يحرم تقلد ولاية القضاء في ظل سلطة لا تؤمن بالشريعة، ولا تدين لحكمها بالطاعة والانقياد، إلا إذا تعين ذلك سبيلًا لدفع ضرر عظيم يتهدد جماعة المسلمين، ويرجع في تقدير هذا الضرر إلى أهل الفتوى، ويشترط للترخص في هذه الحالة ما يلي:
– العلم بأحكام الشريعة الإسلامية، والقضاء بأحكامها ما أمكنه ذلك.
– كون الغاية من هذا الترخص تخفيف ما يمكن تخفيفه من الشرِّ عن المسلمين وتكثير ما يستطيع تكثيره من الخير لهم.
– اختيار أقرب تخصصات القضاء لأحكام الشريعة الإسلامية ما أمكن.
– كراهية القلب لتحكيم القانون الوضعي، وبقاء هذا الترخص في دائرة الضرورة والاستثناء.
سابعًا: لا حرج في دراسة القوانين الوضعية المخالفة للشريعة أو تولى تدريسها للتعرف على حقيقتها وبيان فضل أحكام الشريعة عليها، أو للتوصل بدراستها إلى العمل بالمحاماة لنصرة المظلومين واستخلاص حقوقهم، بشرط أن يكون عنده من العلم بالشريعة ما يمنعه من التعاون على الإثم والعدوان.
ثامنًا: تولي الصالحين الأكفاء من المسلمين بعض الولايات العامة خارج بلاد الإسلام أو في البلاد التي تحكم بالقوانين الوضعية المخالفة للشريعة، أولى من تركها لأهل الشر والفساد، وبطانة السوء الذين يفسدون في الأرض ولا يصلحون، كما فعل نبي الله يوسف .
تاسعًا: يجوز أن يشارك المسلم كعضو في هيئة- مُحَلفين- شريطة أن يكون حكمه بما يوافق الشرع، بغرض إنصاف المظلومين من المسلمين وغيرهم، فيعيد لهم حقوقهم، وينتصر لهم من ظالميهم، ولا يحكم على أحد منهم بجور.
عاشرًا: يجب على المسلمين المقيمين خارج ديار الإسلام أفرادًا وجماعات أن يسعوا إلى إيجاد البديل الشرعي عن القضاء الوضعي، وذلك عن طريق مجالس الصلح والتحكيم ونحوه، والسعي إلى التسكين القانوني لهذه الآليات، والحصول على إقرار دول إقامتهم بأحكامها، وعليهم أن يتواصوا فيما بينهم بالأخلاق الإسلامية الكريمة التي تقيهم الخصومات ابتداءً. والله تعالى أعلى وأعلم.

تاريخ النشر : 30 يناير, 2012
التصنيفات الموضوعية:   18 القضاء

فتاوى ذات صلة:

Send this to a friend