طلقت زوجتي طلقةً واحدة منذ سنة أثناء مشاجرة، وأرجعتها في نفس اليوم ولكن بدون شهود. ما حكم هذا؟ علمًا بأنا أنجبنا طفلًا منذ شهر.
الجواب
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه؛ أما بعد:
فإن الإشهاد من سنن الرجعة لقوله تعالى: {فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا} [الطلاق: 2]. ولكنه ليس شرطًا في صحة الرجعة عند جمهور العلماء، ومن أدلتهم على ذلك:
• قوله تعالى: {فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} [الطلاق: 2]. فجاء بالأوامر في سياق واحد، ومن المعلوم أن كُلًّا من الإمساك أو المفارقة ليس بواجب في قوله: {فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ} [الطلاق: 2]، وإنما الأمر للتخيير، أي: إن شاءَ أمسك، فإن أمسك فبمعروف، وإن شاء ففارق فإن فارق فبمعروف، ثم أشهد على ذلك، فكما أن الأوامر الأولى للاستحباب، فكذلك أمره بالإشهاد يكون للندب والاستحباب، وليس للحتم والإيجاب.
• أن النبي صلى الله عليه وسلم عندما أمر ابن عمر المراجعة لم يأمره بالإشهاد على الرجعة(1) فدل على أنه ليس بواجب.
• أن الصحابة نصوا على أن الإشهاد ليس بواجب؛ ولذلك لما سُئل عمران بن حصين رضي الله عنهما عن رجل طلق امرأته ثم راجعها ولم يشهد- قال رضي الله عنه: راجعتها بغير السنة(2). أي أنه كان ينبغي عليك أن تتحرى السُّنَّة، ولم يقل له: عليك إثمٌ أو عليك حرجٌ. فدل على أن الأمر ليس للوجوب، ثم حكم بصحة النكاح والرجعة، فلو كان الإشهاد شرطًا في صحة الرجعة لقال له: إنها ليست بزوجة، ويجب عليك أن تُعيد الرجعةَ مرة ثانية وتُشْهِد، ولكنه صحح رجعته، فدلَّ على أن الإشهاد ليس بشرط في صحة الرجعة، وليس بواجب.
فالرجعة إذن تصح بدون الإشهاد، وعلى هذا فرَجْعَتك صحيحة.
ونوصيك بأهلك خيرًا، وأن لا تجعل الغضب هو الذي يقود تصرفاتك وردود أفعالك، فلله درُّ التقوى لم تدع لذي غيظ شفاء أبدًا(3).
واعلم أن «مَنْ كَظَمَ غَيْظًا وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يُنْفِذَهُ دَعَاهُ اللهُ عَلَى رُءُوسِ الْـخَلَائِقِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُخَيِّرَهُ فِي أَيِّ الْـحُورِ شَاءَ»، كما جاء بذلك الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم(4). والله تعالى أعلى وأعلم.
____________________
(1) ففي الحديث المتفق عليه؛ الذي أخرجه البخاري في كتاب «الطلاق» باب «وبعولتهن أحق بردهن في العدة، وكيف يراجع المرأة إذا طلقها واحدة أو ثنتين» حديث (5332)، ومسلم في كتاب «الطلاق» باب «تحريم طلاق الحائض بغير رضاها وأنه لو خالف وقع الطلاق ويؤمر برجعتها» حديث (1471) من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما؛ أنه طلق امرأة له وهي حائض تطليقةً واحدة فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يُراجعها ثم يُمسكها حتى تطهر ثم تحيض عنده حيضة أخرى، ثم يمهلها حتى تطهر من حيضها، فإن أراد أن يطلقها فليطلقها حين تطهر من قبل أن يجامعها. فتلك العدة التي أمر الله أن تطلق لها النساء.
(2) أخرجه أبو داود في كتاب «الطلاق» باب «الرجل يراجع ولا يشهد» حديث (2186)، وابن ماجه في كتاب «الطلاق» باب «الرجعة» حديث (2025).
(3) ذكره الزيعلي في «تخريج الأحاديث والآثار» (1/226) حديث (236) من قول عائشة رضي الله عنها.
(4) أخرجه أحمد في «مسنده» (3/ 440) حديث (15675)، وأبو داود في كتاب «الأدب» باب «من كظم غيظًا» حديث (4777)، والترمذي في كتاب «البر والصلة» باب «في كظم الغيظ» حديث (2021)، وابن ماجه في كتاب «الزهد» باب «الحلم» حديث (4186) من حديث معاذ بن أنس رضي الله عنه. وقال الترمذي: «حديث حسن».