الحمل الذي تنقضي به العدة

توفَّى زوجي وأنا حامل في شهر ونصف، وأنا في أول‏ أيام ‏العدة سقط الحمل، فهل انقضت العدة أم أكمل الأربعة أشهر؟ بارك الله فيكم.

 

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه؛ أما بعد:
فإن الله جل وعلا يقول: {وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ } [الطلاق: 4]، وهذه الآية عامَّة في الطلاق وفي حالة وفاة الزوج؛ لحديث سبيعة الأسلمية وكانت تحت سعد بن خولة، وهو من بني عامر بن لؤي وهو ممن شهد بدرًا فتُوُفِّي عنها في حجة الوداع وهي حاملٌ، فلم تنشب أن وضعت حملها بعد وفاته، فلما تَعَلَّت مِن نفاسها(1) تجمَّلت للخُطَّاب، فدخل عليها أبو السنابل بن بعكك- رجلٌ من بني عبد الدار- فقال لها: ما لي أراك مُتجمِّلةً، لعلك تَرْتَجِين النِّكاح، إنك والله ما أنت بناكحٍ حتى تمرَّ عليك أربعةُ أشهرٍ وعشرٌ. قالت سبيعة: فلما قال لي ذلك جمعتُ عليَّ ثيابي حين أمسيتُ فأتيت رسولَ الله ﷺ فسألتُه عن ذلك، فأفتاني بأني قد حللتُ حين وضعت حملي، وأمرني بالتزويج إن بدا لي(2).
قال ابن شهاب: «ولا أرى بأسًا أن تتزوَّج حين وضعت وإن كانت في دمها، غير أنه لا يقربها زوجُها حتى تطهر»(3).
والحمل الذي تنقضي به العدة محلُّ خلاف بين الفقهاء، فالجمهور (الحنفية(4) والشافعية(5) والحنابلة(6))على أن العدة تنقضي بوضع ما يتبين فيه شيءٌ من خلقةٍ، ولو كان ميتًا أو مضغةً تصورت، ولو صورةً خفيةً تثبت بشهادة الثقات من القوابل.
وقال بعضهم تنقضي العدة بجنس ما يوضع مما عرف أنه حملٌ ولو كان في مرحلة العلقة أو النطفة. قال المالكية: «إن كان دمًا اجتمع بحيث إذا صُبَّ عليه الماء الحارُّ لم يذب يعتبر حملًا تنقضي العدةُ بوضعه»(7).
والجنين يا بنيتي إذا مرَّ عليه ثنتان وأربعون ليلةً دخل في مرحلة التخلُّق يقينًا، لحديث حذيفة بن أسيد عند مسلم يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إِذَا مَرَّ بِالنُّطْفَةِ ثِنْتَانِ وَأَرْبَعُونَ لَيْلَةً بَعَثَ اللهُ إِلَيْهَا مَلَكًا فَصَوَّرَهَا وَخَلَقَ سَمْعَهَا وَبَصَرَهَا وَجِلْدَهَا وَلَـحْمَهَا وَعِظَامَهَا»(8).
وبناء على ذلك فعدَّتُك يا بنيتي قد انتهت بمُضي هذه المدة. والله تعالى أعلى وأعلم.

_____________________

(1) أي طهرت منه. «شرح النووي على صحيح مسلم» (10/109).

(2) متفق عليه؛ أخرجه البخاري في كتاب «المغازي» باب «فضل من شهد بدرًا» حديث (3991)، ومسلم في كتاب «الطلاق» باب «انقضاء عدة المتوفى عنها زوجها» حديث (1484).

(3)«صحيح مسلم» كتاب «الطلاق» باب «انقضاء عدة المتوفى عنها زوجها وغيرها» حديث (1484).

(4) ##. جاء في «المبسوط للسرخسي» (6/ 45 ) من كتب الحنفية «قال: وكل سقط لم يستبن شيء من خلقه لا تنقضي به العدة لأنه ليس له حكم الولد بل هو كالدم المتجمد.

(5) ##. جاء في «أسنى المطالب في شرح روض الطالب» (3/343 ) من كتب الشافعية «قوله فيمكن انقضاؤها بالولادة لتمام ستة الأولى التمام بستة أشهر ولحظتين لحظة للوطء ولحظة للولادة من حين إمكان اجتماعهما أي الزوجين بعد النكاح ولمنصور بأربعة أشهر مائة وعشرين يوما ولحظتين من حين إمكان الاجتماع ولمضغة بلا صورة بمضي ثمانين يوما ولحظتين من حين إمكان الاجتماع وهذه الثلاثة أقسام الحمل الذي تنقضي به العدة».

(6) ##. جاء في «الإنصاف» (9/199 ) «والحمل الذي تنقضي به العدة ما يتبين فيه شيء من خلق الإنسان».

(7) «شرح مختصر خليل للخرشي» (8/32-33).

(8) أخرجه مسلم في كتاب «القدر» باب «كيفية خلق الآدمي في بطن أمه وكتابة رزقه وأجله وعمله وشقاوته وسعادته» حديث (2645)، من حديث حذيفة بن أسيد الغفاري رضي الله عنه.

تاريخ النشر : 26 ديسمبر, 2017
التصنيفات الموضوعية:   10 العدد

فتاوى ذات صلة:

Send this to a friend